كانت تستشيط غضبا بسبب ذلك بينما تجلس بجانب صبي أحبها لأنه آمن، على الفور، بتكامل عقلها وروحها وتفردهما، ورأى أن فقرها أضاف لمحة من الرومانسية على ذلك (لقد أدرك أنها فتاة فقيرة ليس فقط بسبب عملها كنادلة، وإنما للهجة أهل وادي أوتاوا الواضحة التي تتحدث بها، والتي لم تنتبه إليها إلى الآن).
احترم مشاعرها تجاه الفيلم؛ والآن وبعد أن أصغى لمحاولاتها وهي غاضبة لتفسير وجهة نظرها، جاهد هو الآخر لأن يقول لها شيئا في المقابل. قال إنه يرى الآن أن ما تشعر به ليس شيئا بسيطا، شيئا أنثويا للغاية، كالغيرة. لقد رأى ذلك؛ رأى أنها ليست في موضع تنافس مع الأخريات، ولا ترضى بأن تكون مثلها مثل الأخريات. إنها مميزة.
ظلت جريس تذكر دوما ما كانت ترتديه في تلك الليلة؛ تنورة مثل تنورات لاعبات الباليه ذات لون أزرق داكن، كنزة بيضاء تستطيع أن تلمح الجزء العلوي من صدرها من خلال عروات الأزرار ذات الكشكشة، وحزاما مطاطيا عريضا وردي اللون. كان هناك، بلا شك، تناقض شديد بين الأسلوب الذي قدمت به نفسها وبين الأسلوب الذي تريد أن يحكم به الآخرون من خلاله عليها. ولم يك ثمة شيء جميل، أو لافت، أو مبهر بشأن طريقة ملبسها إذا ما قارناه بأسلوب ذلك الوقت؛ فكانت ملابسها المهترئة قليلا عند أطرافها في الواقع قد أصبغت عليها مظهر الغجر، وهو ما أكده ذلك السوار الفضي الزهيد، وشعرها البربري الداكن الطويل المجعد، الذي كانت تعقصه بمشبك عند خدمتها للطاولات أثناء عملها.
كانت مميزة.
حكى عنها لأمه التي قالت: «عليك أن تدعو هذه الفتاة جريس إلى العشاء.» •••
كان هذا الأمر جديدا عليها تماما، بل إنه أشعرها بالبهجة والسرور على الفور. إنها في حقيقة الأمر، قد وقعت في حب السيدة ترافرس كما وقع موري في حبها، ولم يكن من طبيعتها أن تبدي دهشتها وإعجابها وحبها بسهولة كما كان الحال معه. •••
تربت جريس على يد عمها وعمتها، بل في الواقع عم والدها وعمته؛ فلقد توفيت والدتها عندما كانت في الثالثة من عمرها، وانتقل والدها إلى ساسكاتشيوان؛ حيث أصبح لديه عائلة جديدة. كانت أسرتها البديلة تعطف عليها، بل وتفخر بها، رغم شعورهم ببعض الحيرة تجاهها، لكنهم لم يكونوا معتادين على التحاور. كان العم يصنع الكراسي من الخيزران ليكسب قوت يومه، وقد علم جريس كيف تقوم بذلك؛ حتى تساعده في عمله، وقد حلت محله في النهاية بعد أن ضعف بصره بشدة، لكنها حصلت بعد ذلك على عمل في بيليز فولز أثناء فصل الصيف. وبالرغم من أنه كان من الصعب عليه، وعلى عمتها أيضا، أن يدعاها تذهب، فإنهما اعتقدا أنها تحتاج لتذوق بعض من تجارب الحياة قبل أن يستقر بها المقام.
كانت تبلغ من العمر حينها عشرين عاما، وقد أنهت لتوها مدرستها الثانوية. كان من المفترض أن تنهي دراستها منذ عام مضى، لكنها اختارت شيئا غريبا؛ ففي المدينة الصغيرة جدا التي كانت تعيش فيها - وهي لا تبعد كثيرا عن بمبروك حيث تعيش عائلة ترافرس - كان هناك مدرسة ثانوية بها خمسة صفوف تؤهلك لاجتياز الاختبارات الحكومية وللشهادة التي كانت تسمى حينها الشهادة العليا لاجتياز مرحلة القبول بالجامعة. ولم يكن من الضروري دراسة كل المواد المتاحة بالمدرسة، وفي نهاية عامها الأول بالمدرسة - وهو من المفترض أنه عامها الأخير، وهو الصف الثالث عشر - اجتازت جريس اختبارات في مواد التاريخ وعلم النبات وعلم الحيوان، واللغات الإنجليزية واللاتينية والفرنسية، وحصلت على درجات عالية هي ليست بحاجة إليها. وعادت مرة أخرى إلى المدرسة في شهر سبتمبر لكي تدرس مواد الفيزياء والكيمياء وحساب المثلثات والجبر، برغم أن كل هذه المواد تعد شاقة وصعبة الفهم بالنسبة للفتيات. وعندما أنهت دراستها لهذا العام كان من المفترض أنها درست كل مواد الصف الثالث عشر فيما عدا اللغات اليونانية والإيطالية والإسبانية والألمانية، والتي لم يكن هناك أي مدرس في المدرسة يقوم بتدريسها. أبلت بلاء حسنا في كل فروع الرياضيات وفي المواد العلمية، لكن لم تكن درجاتها مبهرة مثل العام الذي قبله. وقد فكرت في أن تدرس هي بنفسها اللغات اليونانية والإسبانية والإيطالية والألمانية؛ وذلك حتى تجتاز اختبارات العام المقبل، لكن حدث أن تحدث معها مدير المدرسة، وأخبرها بأنها لن تجني شيئا من وراء ذلك طالما أنها لن تتمكن من الالتحاق بالجامعة، وعلى كل فإن أي دراسة جامعية لا تتطلب كل هذا الكم الهائل، فلم تكلف نفسها مشقة ذلك؟ هل لديها خطط معينة؟
أجابت جريس بالنفي، وأنها فقط تريد أن تتعلم كل شيء طالما أنه متاح ومجاني. وذلك قبل أن تبدأ حياتها المهنية في صنع الخيزران.
كان مدير المدرسة هو من يعرف مدير النزل، وقال إنه سيزكيها للعمل إن أرادت أن تجرب عمل الضيافة في الصيف. لقد ذكر هو الآخر مسألة تذوق خبرات الحياة.
Bilinmeyen sayfa