وعندما انتهت المسامرة قام الأستاذ الهمام صاحب التحريرات العالية الشيخ السيد محمد الطاهر بن عاشور، وألقى خطابا فائقا يقول فيه:
يا أيها الأستاذ النحرير، ويا أيها السادة
سرني أن أقف موقفي هذا لأمثل على مرأى من السادة الحاضرين مقدار الابتهاج والسرور بمسامرتكم الفائقة التي سمح لنا بها هذا النادي أو السامر الشريف، فسمعنا منها فلسفة حقيقية لمبدأ عظيم من مبادئ شريعتنا الإسلامية، وشاهدنا مثالا صحيحا للفصاحة والبلاغة العربيتين يحيي من الأمل بحياة اللغة العربية متى ساعدتها عزيمتكم وعزيمة معضديكم من رجال النشأة العلمية المستنيرين.
ولأفصح بعبارات ملؤها الإعجاب والثناء عن مقدار سروري بما شاهدته، وشاهده العارفون من نتائج هاته الجمعية التي تحقق آمال بلوغها شأوا من الرقي وإيقاظ العيون الوسنة إلى غايات العمل واكتساب فخر خدمة الأمة خدمة صادقة. فلقد مضت علينا عصور اعتدنا فيها تضاؤل المشروعات الناشئة حتى خلق فينا إشفاق شديد على كل مشروع جديد من مشروعاتنا الخيرية، ولكن هاته الجمعية قد قارنت منذ نشأتها من جلائل الأعمال ما جعلها محل الإعجاب عوض أن تكون موضع الإشفاق.
وعندي أن أكبر معين لها على أعمالها هو تأسيس هذا النادي، الذي تسهلت به لديها عقبات التفاهم والمجادلة فيما يعود لخير الأمة وتقدم المعارف. وقديما ما كانت النوادي مبعث أشعة النور سواء في الأمة العربية التي كانت أقامت النوادي لمهماتها في القرن الثاني قبل الهجرة، وأول من أقامها قصي بن كلاب الذي أسس وحدة قريش، ورد عنهم الأيدي الطاغية من خزاعة، وسمي أول ناد لهم في مكة بدار الندوة.
أما في الأمم الغربية فإننا لا ننسى ما كان لتأسيس النوادي من الشأن الكبير في النهضة الفرنسوية عند إقامة دعائم الجمهورية الأولى، ومن أشهرها يومئذ نادي اليعقوبيين، وفي تسمية النادي في اللغة الفرنسوية بما يرادف كلمة دائرة سر لطيف من معاني الوفاق والتساوي والإحاطة اللازمة لأجزاء الدائرة كلها.
ولقد ظهر بهذا النادي من مسامرات علمية في أمد وجيز ما خلد له ذكرا ساميا، وأخص بكلامي ما ظهر فيه من مواهب الأساتذة المتنورين من أهل العلوم العربية، وما حققوه من المباحث في نقد التاريخ وفلسفة العمران الإسلامي، وهذه مسامرة الأستاذ النقاد هاته الليلة أعدل شاهد على ذلك. وفي الختام أقدم عبارات الشكر والثناء إلى جناب مدير المدرسة الصادقية المخلص الناصح وإلى السادة المستعربين من سراة النزلاء الفرنسويين الذين شرفوا نادينا في سائر حفلاته عن طيب نفوس وإخلاص ضمائر، والذين كان في حضورهم ما يحقق آمالنا من زيادة روابط الود بين الأمتين، خصوصا متى عرفوا معرفة اليقين كنه أخلاق المسلمين، فكذبوا بذلك أصحاب الغايات الشخصية المرجفين، وأرجو من قبول شكري وثنائي على سائر السادة الحاضرين.
Bilinmeyen sayfa