بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله تفسير رسالة الحور العين
مقدمة المؤلف
أما بعد حمد الله الذي استوجب الحمد بكرمه وجوده، وأوجب المزيد لمن شكره من عبيده؛ فإن الأدب لما صار بضاعة، في أهل هذا الوقت مضاعة؛ قد رميت بالكساد، لما شمل أهل الدهر من الفساد؛ وصار العلم عارًا على حامليه، والفضل شينًا لأهليه؛ ولم يبق من أهل المروءات من يومأ إليه، ولا من أهل النخوات من يعتمد عليه؛ وأصبح ملوك العصر بين تاجر ينسب إلى الرياسة، وخمار يملك أمر السياسة؛ ولكل واحد منهما ندامى وأتباع، قد جمعت بينهم الطباع؛ وشرف الله السلطان الفاضل عن جلساء هذه الأجناس الدنية، بالأفعال الحميدة والهمة السنيه؛ فأصبح غرة لبهيم زمانه، وذروة يعتصم بها الخائف لأمانه؛ وأضحى نسيج وحده، وسقط ما قدح الدهر من زنده؛ رجوت أن يكون عنده لبضاعة الأدب سوق، ولأغصان دوحته بسوق؛ فبعثت إليه بهذه الرساله، محذوفة عن الأسباب والإطالة؛ وسميتها رسالة الحور العين، وتنبيه السامعين.
1 / 1
وكنيت بالحور العين عن كتب العلم الشرائف، دون حسان النساء العفائف؛ وجعلتها لرياضة الناشئ الصغير، وزيادة العالم النحرير؛ ولم أر وجهًا لإنفاذها بغير تفسير، فرنتها من ذلك بشيء يسير؛ على اشتغال من القلب؛ وتقسيم من اللب؛ بأسباب في الرسالة مذكورة، وأخرى مطوية مستورة؛ تنسى الفطن الذكي اسمه، وتلبس ثوب النحول جسمه. وإني في هذا المقام، لمتمثل بقول أبي تمام:
وليس امرؤٌ في الناس كنت سلاحه ... عشية يلقى الحادثات بأعزلا
فإن قصرت فيما اختصرت، أو عثرت فيما أكثرت؛ فله المنة بالتغمد، في الخطأ والتعمد؛ وما أبرئ نفسي من الزلل، ولا أبرئ السقيم بالعلل. ومن هو من الزلل معصوم؟ مدعى ذلك محجوج مصخوم، وعند العقلاء موصوم.
وهذا أول التفسير، والله ولى التوفيق والتيسير.
1 / 2
التفسير
قوله: السلام عليك أيتها العقوه، التي لا تلم بها الشقوة؛ والربوه، الموقرة عن الصبوه.
المراد بذلك السلام على رب العقوة وصاحبها، والعرب تخاطب الديار بخطاب أهلها؛ قال الله تعالى: (وأسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها) أي واسأل أهل القرية وأهل العير. قال الأحوص بن محمد الأنصاري:
يا بيت عاتكة الذي أتعزل ... حذر العدا وبه الفؤاد موكل
إني لأمنحك الصدود وإنني ... قسما إليك مع الصدود لأميل
وقال ذو الرمة التميمي:
أدارًا بحزوى هجت للعين عبرة ... فماء الهوى برفض يترقرق
والسلام، اسم من أسماء الله تعالى في قوله تعالى: (السلام المؤمن المهيمن) . والسلام: شجر، واحدته سلامة. والسلام: السلامة. والسلام: الاستسلام. والعقوة: ما حول الدار، وكذلك العقاة. الشقوة: ضد
1 / 3
السعادة، وكذلك الشقاوة والشقاء، بمعنى واحد. والربوة: المكان المرتفع من الأرض، وفيها لغات: ربوة وربوة وربوة، بفتح الراء وكسرها وضمها، وكذلك الرباوة: المكان المرتفع. وربى الشيء يربو، إذا زاد، ومنه الربا في البيع، ويثنى ربوان وربيان. وربا الرجل الرابية، إذا علاها. وربا، إذا أصابه الربو، يربو فيهما. قال الراجز، فجمع بين اللغتين:
حتى علا رأس يفاع فربا ... رفه عن أنفاسه وما ربا
وربوت في بنى فلان، أي نشأت. والموقرة: الموصوفة بالوقار. ومنه قوله تعالى: (وقرن في بيوتكن) . قال أبو عبيدة: هو عندى من الوقار. ورجل موقر، أي مجرب؛ ورجل موقر، أي مبجل. ومنه قوله تعالى: (وتعزروه وتوقروه) . والصبوة والصبو والتصابي، كل ذلك بمعنى، وهو الميل إلى الصبا واللهو والحداثة؛ يقال: صبا يصبو: صبوا وصبوة، وهو أن يفعل فعل الصبيان. قال أبو إبراهيم: يقال: صبى يصبي صبًا، إذا لعب مع الصبيان. والصبا، يمد ويقصر، إذا كسرت الصاد قصرت، وإذا فتحتها مددت.
1 / 4
قوله: (ذات القرار والمعين، والمستقر لحور العين): القرار والمستقر من الأرض: موضع الإقامة. والمعين: الماء الجاري؛ يقال: معن الماء يمعن معنًا، إذا جرى. والمعنان: مجاري الماء. والمعان: المنزل. والمعن: الشيء اليسير السهل. قال النمر بن تولب العكلي ثم البصري:
فإن هلاك مالك غير معن
أي ليس بهين. والحور: جمع حوراء وأحور، مثل أعور وعوراء، وجمعه عور؛ وأسود وسوداء، وجمعه سود. وعنى بالحور في هذا الموضع الكتب. والحور: شدة بياض العين في شدة سوادها. قال أبو عمرو: الحور أن تسود العين كلها، مثل أعين الظباء والبقر. وليس في بني آدم حور، وإنما قيل للنساء: حور العين، لأنهن شبهن بالظباء والبقر. قال الأصمعي: ما أدري ما الحور في العين. ويقال: حورت الثياب، إذا بيضتها. وقيل لأصحاب عيسى ﵇ الحواريون، لأنهم كانوا يحورون الثياب، أي يبيضونها.
1 / 5
والحواري أيضًا: الناصر. قال رسول الله ﵌: (الزبير ابن عمتي، وحواري من أمتي) . والحواريات: نساء الأمصار؛ سمين بذلك لبياضهن. قال أبو جلدة اليشكري:
فقل للحواريات يبكين غيرنا ... ولا تبكنا إلا الكلاب النوابح
والحواري من الطعام: ما حور، أي بيض. ويقال: حور خبزته، إذا أدارها ليضعها في الملة. ويقال: حور عين بعيرك، أي حجر حولها بكى، وهو شيء مدور. ويقال: أحور الشيء، إذا ابيض. والجفنة المحورة: المبيضة بالسنام. ويقال: نعوذ بالله من الحور بعد الكور، وهو النقصان بعد الزيادة. والأحور، عند العرب: كوكب، وهو المشترى.
والعين، بكسر العين: جميع عيناء، وهي البقرة الوحشية، سميت بذلك لسعة عيونها؛ يقال: بقرة عيناء وثور أعين؛ وقال بعضهم: لا مذكر له. وأما العين، بالفتح، فالين عين الإنسان. والعين: مصدر عنت الشيء أعينه عينًا، إذا أصبته بعينك وغبطته، فهو معين ومعيون، والفاعل عائن.
1 / 6
وروي عن رسول الله ﷺ أنه قال: (قد يضر الغبط كما يضر العضاه الخبط) . والعين: المتجسس للخبر. ويقال: بلد قليل العين، أي قليل الناس. والعين: عين الماء. والعين: مطر يدوم خمسة أو ستة لا يقلع. والعين: عين الشمس. والعين: المال الناض. والعين: نفس الشيء. والعين الميل في الميزان. والعين: عين الركية. والعين: الثقب في المزادة. وانشد ثعلب:
بذات لوث عينها في جيدها
وأسود العين: جبل. قال الشاعر:
إذا زال عنكم أسود العين كنتم ... كرامًا وأنتم ما أقام ألاثم
لثام وألاثم، مثل كرام وأكارم. وعين الشيء: خياره. ويقال: لقيته أول عين، أي أول شيء.
1 / 7
وقوله: بعيدة عن رجم الظنون، كأمثال اللؤلؤ المكنون) .
رجم الظن، الذي لا يوقف على حقيقته. والرجم أيضًا: الشتم. والشيطان الرجيم: البعيد عن رحمة الله. والمكنون: المصون؛ ومنه: كنانة النبل، لأنها تصونها. والكانون: الثقيل الملارم في المجلس. قال الحطيئه يهجو أمه:
أغر بالا إذا استودعت سرًا ... وكانونًا على المتحدثينا
قوله: بيض الغرر والترائب، سود الطرر والذوائب.
الغرر هاهنا: الوجوه، وهو جمع غرة، وغرة كل شيء: أوله وأكرمه. والأغر: الأبيض. والغرر: ثلاث ليال من أول الشهر. وأما قول النبي ﷺ: (في الجنين غرة: عبد أو أمه) . فإنه عبر عن الجسم كله بالغرة. والغرة: البياض في الجبهة فوق الدرهم؛ وجمع ذلك كله غرر. والغرار، في قول النبي ﷺ: (لا غرار في الصلاة) هو ألا يتم
1 / 8
ركوعها وسجودها. والغرار: حد السيف والشفرة وغيرهما. والغرير: الخلق الحسن؛ يقال للشيخ: أدبر غريره، وأقبل هريره. والترائب: جمع تريبة، وهي عظام الصدر. والتريب أيضا: الصدر. قال الراجز، الأغلب العجلي:
أشرف ثدياها على التريب ... لم يعدوا التفليك في النتوب
وطرة الشعر معروفة، وكذلك طرة الثوب. وطر النبت، إذا اهتز؛ ومن ذلك يقال: طر شارب الغلام، فهو طار. والرجل الطرير: ذو الهيئة. قال ابن مالك معود الحكماء:
ويعجبك الطرير فنبتليه ... فيخلف ظنك الرجل الطرير
والذوائب: جمع ذؤابة، وذؤابة كل شيء: أعلاه؛ وبذلك سميت الذؤابة.
قوله: مقرونة الحواجب، موشومة الرواجب؛ تفتر عن درر من الثغور، ودراري طالعة لا تغور.
القرن في الحاجبين: اتصالهما، وهو مصدر: قرن. والذي ليس بأقرن يسمى الأبلد والأبلج، ومصدرهما البلد والبلج، وهو الذي بين حاجبيه
1 / 9
فرجة لا شعر فيها تسمى البلدة. وبذلك سميت البلدة من منازل القمر، لأنها لا نجوم فيها. والقران: الحبل الذي يقرن به شيئان، أي يوصل بينهما. والقرن: الحبل أيضًا. قال الشاعر:
أبلع أبا مسمع إن كنت لاقيه ... أني لدى الباب كالمشدود في قرن
والقران أيضًا: أن يجمع بين تمرتين عند الأكل، ومنه: قران الحج بالعمرة. والمقرن: المطيق للشئ، ومنه قوله تعالى: (وما كنا له مقرنين) .
ووشم اليد: نقشها، وهو أن تغرز بالإبرة ثم يذر عليها النؤور، وهو دخان الفتيلة. وكنى بالوشم عن الكتابة في هذا الموضع. والرواجب: مفاصل الأصابع كلها، وهي جمع راجبة. تفتر، أي تبسم. والدرر: جمع درة. والدراري: جمع دري، وهو الكوكب الثاقب المضئ، شبه بالدرة المضيئة. تغور، أي تغيب؛ يقال: غارت الشمس تغور غيارًا. قال أبو ذؤيب.
هل الدهر إلا ليلة ونهارها ... وإلا طلوع الشمس ثم غيارها
أي مغيبها. وغار الماء يغور غورًا. ومنه قوله تعالى: (أ، أصبح ماؤكم غورًا) أي غائرا، أقام المصدر مقام اسم الفاعل، كقولهم: جاء القوم ركضًا، أي راكضين. وغارت عينه تغور غورا. قال العجاج:
1 / 10
كأن عينيه من الغؤور ... قلتان أو حوجلنا قارور
الحوجلة: قارورة صغيرة واسعة الرأس. والغور: تهامة؛ يقال: غار الرجل وأغار، إذا أتى الغور. قال الشاعر يصف الخيل:
تغور زمانًا ثم تبدو قد اكتست ... من المال جلات العشار القناعس
ويروى: وتعرى زمانًا. وقال آخر:
ليت شعري ما أماتهم ... نحن أنجدنا وهم غاروا
وغور كل شيء: قعره. وأغار الرجل على العدا إغارة. والاسم الغارة.
قوله: عواطل من الحلي، لا تعرف عدوا من ولي؛ يخلو بها ذو الريب، وهي بريئة الجيب، من التهمة والعيب.
يقال: امرأة عاطل، إذا كانت غير حالية. والريب: الشك؛ يقال دع ما بريبك إلى مالا يريبك. وريب المنون: حوادث الدهر. ومنه قوله تعالى: (نتربص به ريب المنون) . وأراب الرجل، إذا صار ذاريبة. ورابني، إذا أدخل على شكا وخوفًا. والريب: الحاجة. قال كعب بن مالك الأنصاري:
1 / 11
قضينا من تهامة كل ريب ... وخير ثم أجممنا السيوفا
قوله: لم تطمث بأنس ولا جان، ولا استترت عن الأبصار بالبراقع ولا المجان.
الطمث: الجماع، مصدر طمث الرجل زوجته يطمثها، فهو طامث، إذا جامعها؛ ويقال. إذا افتضها. ومنه قوله تعالى: (لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان) . والطامث أيضًا: الحائض. والطمث: المس، في كل شيء يمس. قال: ويقال: ما طمث هذا المرتع قبلنا أحد. قال: وكل شيء يطمث. قال الخليل: طمثت البعير طمثًا، إذا علقته. ويقال: ما طمث هذه الناقة حبل قط، أي ما مسها. والطمث أيضًا: الدنس.
والمجن. ما يسترك، وسمي الترس مجنًا لستر صاحبه، واختص بذلك لكثرة الاستعمال. والجنة: ما استترت به من السلاح؛ ومنه قوله تعالى: (فلما جن عليه الليل) أي ستره بالظلام. يقال: جن الليل جنونًا وجنانًا. قال خفاف بن ندبة:
ولولا جنان الليل أدرك ركضنا ... بذي الرمث والأرطي عياض بن ناشب
1 / 12
والجنين: الولد في بطن أمه. والجنين أيضًا: المقبور. والجنان: القلب. واشتقاق ذلك كله من الستر والتغطيه. وسميت الجن جنا لاستنارهم.
قوله: (لا تجزى المحب بنفار، ولا تحرم بنكاح على الكفار؛ تحل بعد ثلاث من الطلاق، بمساس وتلاق؛ لا تنشر من بعل، وإن وطئها بالنعل؛ مقعدة تسير في بعد وقرب، صائمة عن الأكل والشرب) .
النفار: التباعد، وكذلك النفور. لا تشز، يقال: نشزت المرأة على بعلها نشوزًا، إذا عصته. ونشز بعلها عليها: ضربهًا وجفاها. والنشر: المكان المرتفع. والنشز: الارتفاع. والبعل: الزوج والبعل: الرب. والبعل: الصاحب. يقال منه: بعل يبعل، إذا صار بعلا. قال الشاعر:
يا رب بعل ساء ما كان بعل
والبعل: صم كان يعبد. ومنه قوله تعالى. (أتدعون بعلًا) . والبعل: ما يشرب بعروقه من الأرض بغير سقى. وفي الحديث عن رسول الله ﵌: (ما شرب بعلًا) . والبعل: الأرض المرتفعه لا يصيبها مطر إلا مرة واحدة في السنة. والبعال: ملاعبة الرجل أهله. وفي الحديث: (إنها أيام أكل وشرب وبعال) . يعني أيام التشريق.
1 / 13
قوله: (ممنوعة عن اللذات، نقية العرض والذات؛ لا تغسل من درن، ولا توصف بكسل ولا أرن؛ تنطق بصموت، وتحيا بعد أن تموت؛ يسمع نطقها بالعين، لا تلفظ بلسان ولا بشفتين) .
والعرض: النفس والعرض: الحسب. ويقال: بل العرض: كل موضع يعرق من الجسد. ويقال: بل العرض: الجسد، والريح طيبة كانت أو خبيثة.
والدرن الوسخ. والدرين: الحولي من النبات اليبيس والإدرون: الأصل. ودرينة. اسم للأحمق.
والأرن والإران: النشاط في الخيل وغيرها. والإران: النعش يحمل عليه الموتى.
قوله: تضحك وتبكي السامر والضجيع، بنظام حسن وتسجيع.
والسامر. واحد السمار. والسامر أيضًا: القوم يسمرون. قال الحارث الجرهمي.
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيسٌ ولم يسمر بمكة سامر
بل نحن كنا أهلها فأزالتا ... صروف الليالي والجدود العواثر
1 / 14
والسامر: المكان يجتمع فيه للسمر. قال:
وسامر طال لهم فيه السمر
والسمر: فعل السامر. والسمر أيضًا: سواد الليل.
والضجيع: المضاجع. والنظام: الشعر، شبه بنظام الدر والخرز، وهو ما نظم بعض إلى بعضه، أي جمع بخيط، وذلك الخيط يسمى السلك.
والسجع من الكلام: ما كان له قواف كقوافي الشعر.
قوله: تخبر عن جديس وطسم، وما عفا من أثر ورسم؛ حبهن دين، وهواهن فرضٌ على الموحدين) .
جديس وطسم: هما أمتان عظيمتان من الأمم الماضية انقرضوا فلا بقية لهم. وجديس؛ أخو ثمود. وهما ابنا عابر بن إرم بن سام بن نوح. وطسم، ابن لاوذ بن سام بن نوح. وكانت طسم وجديس يسكنون اليمامة، وكان لهم ملك من طسم سيئ السيرة، وكانوا لا يزوجون امرأة من جديس إلا بعث غليها ليلة زففها فافترعها قبل زوجها. فوثبت جديس على ذلك الملك في غرة فقتلوه، وقتلوا معه من طسم مقتلة عظيمة. فمضى رجل من طسم إلى حسان بن أسعد تبع ابن كلي كرب بن تبع الأكبر بن تبع الأقرن بن شمر برعش بن إفريقيش ابن أبرهة ذي المنار بن الحارث الرائش الحميري يستصرخه فوجه معه جيشًا إلى اليمامة، وكانت اليمامة تسمى يومئذ جو، وكانت بها امرأة اسمها اليمامة، وهي الزرقاء، وكانت تبصر الراكب من مسيرة أيام. وباسمها سميت جو اليمامة.
1 / 15
فلما خافوا أن تبصرهم فتنذر بهم قطعوا الشجر، وجعل كل رجل من الجيش بين يديه شجرة. فنظرت اليمامة فقالت: يا معشر جديس. لقد جاءتكم حمير أو سار إليكم الشجر. فقالوا ما ترين؟ فقالت: أرى في الشجر رجلا معه كتف يأكلها أو نعل يخصفها، فكذبوها. فصبحتهم حمير فقتلتهم وأفنتهم. وقد ذكرت ذلك الشعراء. قال الأعشى:
ما نظرت ذات أشفار كنظرتها ... يومًا ولا كذب الذئبي إذ سجعا
قالت أرى رجلًا في كقه كتف ... أو يخصف النعل لهفي أية صنعا
فكذبوها بما قالت فصبحهم ... ذو آل حسان يزجي السم والسلعا
فاستذلوا أهل جو من مساكنهم ... وهدموا يافع البنيان فاتضعا
وما عفى من ... الخ. يقال: عفا المنزل يعفو عفاء، أي درس، وعفته الريج أيضًا، عفاء، أي درسته، يتعدى ولا يتعدى.
وأثر الشيء. بقيته. والرسم: الأثر. وترسمت الدار، نظرت إلى رسومها. قال ذو الرمة:
أأن ترسمت من خرقاء منزلة ... ماء الصبابة من عينيك مسجوم
والرسيم: ضرب من سير الإبل. وناقة رسوم: تؤثر في الأرض من شدة
1 / 16
الوطء. والروسم: الرسم. والروسم: واحد الرواسيم، وهي كتب كانت في الجاهلية؛ قال ذوا الرمة:
من دمتة هيجت شوقي معًا لمها ... كأنها بالهدملات الرواسيم
قوله: وحديقة الأدب التي لا تهيج، وتربته التي أنبتت من كل روج يهيج؛ وسيمة الأزهار، جارية الأنهار؛ غصونها دانية، وعيونها غير آنية.
الحديقة: واحدة الحدائق، وهي أرض ذا شجر، سميت حديقة لأن النبات محدق بها، أي مدير. ويقال: هاج النبت هياجًا وهياجًا وهيجا، إذا اصفر ويبس. وأرض هائجة، إذا يبس بقلها؛ ومنه قوله تعالى: (ثم يهيج فتراه مصفرًا) . يقال: هاجت الحرب هيجانًا.
والبهيج: الحسن. والبهجة السحن. والوسيمة: الحسنة. والآنية: الحارة التي انتهى حرها؛ ومنه قوله تعالى: (يطوفون بينها وبين حميم آن) .
قوله: (لاخبت أنوارك، ولا ذبل نوارك؛ لأنت جنة العدن، الحقيقة بالسدن؛ نحييك من بعد بالجنان، ونشير بأطراف البنان) .
يقال: خبت النار، إذا طفئت، وكذلك السراج. ويقال: ذبل البقل ذبولًا، وذبلًا؛ إذا يبس. والنوار والنور، جميعًا: الزهر. والعدن: الإقامة. يقال: عدن بالمكان يعدن، إذا أقام به؛ ومنه قوله تعالى: (جنات عدن) . والسدن: الخدمة، وكذلك السدانة؛ ومنه: سدانة الكعبة. نحييك أي ندعو لك بدوام التحية. والتحية: الملك. قال زهير بن جناب الكلبي:
1 / 17
وتركتكم أولاد سا ... داتٍ زنادكم وريه
ولكل ما نال الفتى ... قد نلته إلا التحيه
ومعنى قول القائل: حياك الله، أي ملكك قوله: هل أتاك نبأ النار المؤنسة، في الأرض المقدسة؛ بجانب القصر المشيد. وجناب الملك الرشيد؛ نار سؤدد رفعت للنواظر؛ وهديت بها البوادي والحواضر؛ جاهلها في الناس مليم، وفاز من هو لها كليم؛ مضرمةٌ للولي بلهب من ذهب، وللعدو بهلاك ورهب؛ أججت بأعواد الكرم لا الكروم، وأرجت بطيب الأغصان والأروم؛ تخضر بقربها الغرائس، ويترب المفتقر البائس؛ يعوذ بها الأواه المنيب، ويلوذ اللاصق والجنيب؛ بورك من في النار؛ وعلى علو ذلك المنار.
المؤنسة: المنظورة؛ ومنه قوله تعالى: (آنس من جانب الطور نارًا)، أي رأي. والهذلى:
وإني إذا ما الصبح آنست ضوءه ... يعاودني قطع على ثقيل
المقدسة: المهطره؛ ومنه: روح القدس. والمشيد: البناء. والسؤدد: الرياسة. والمليم. الذي يأتي ما يلام عليه؛ ومنه قوله تعالى:
1 / 18
(فالتقمه الحوت وهو مليم) . والكليم: المكالم، وهو المراجع في الكلام. ومنه قيل لموسى: كليم الله. والكليم أيضًا: الجريح. والكلم الجرح، وجمعه كلوم وكلام. قال أبو بكر بن أبي قحافة يرثي رسول الله ﵌:
أجدك ما لعينك لا تنام ... كأن جفونها فيها كلام
والرهب: الرهبة؛ وهو الرهب أيضًا؛ ومنه قوله تعالى: (واضمم إليك جناحك من الرهب) . والرهب: البعير المهرول. والرهب أيضًا: الرغبة. والرهب. النصل الرقيق. والرهابة: عظم في الصدور مشرف على البطن مثل اللسان. والترهب: التعبد؛ ومنه اشتقاق الرهبان. والإرهاب: قدع الإبل عن الحوض وذيادها. أججت، أي أوقدت. وأرجت، يقال: أرج الطيب يأرج أرجًا، إذا فاح. والأروم والأرومة: الأصل. ويقرب المفتقر، يقال: أترب الرجل، إذا استغنى. وترب، إذا افتقر؛ ومنه قولهم: تربت يداك. أي افتقرت. فأما قوله تعالى: (أو مسكينًا ذا متربة) فإنما هو لاصق بالتراب. والبائس: المحتاج؛ ومنه قوله تعالى: (وأطعموا البائس الفقير) . يقال منه: بئس الرجل يباس بؤوسًا، إذا اشتدت حاجته، والأواه: كثير الدعاء. وقال قوم: الفقيه. وقال قومٌ: المؤمن. والمنيب: المقبل إلى الله النائب. ومنه قوله تعالى: (وخر راكعًا وأناب) .
والجنيب: البعيد؛ يقال منه: جنب يجنب جنابة، فهو جانب.
1 / 19
والجنب: أن يشتد عطش البعير حتى تلصق رئته بجنبه. قال ذو الرمة يصف نافته ويشبهها بحمار وحش.
وثب المسجح من عانات معقلةٍ ... كأنه مستبان الشك أو جنب
ورجلٌ جنب، أي قريب، ومنه قوله تعالى: (والجار الجنب) . ويقال: قعد فلان جنبةً، إذا اعتزل الناس. قال الراعي:
أخليد إن أباك ضاق وساده ... همان باتا جنبةً ودخيلا
والجنبة: نبت؛ يقال: مطرًا كثرت منه الجنبة.
بورك، البركة: والخير؛ يقال: بارك الله فيك، وبارك عليك، وبارك لك، وباركك. ومعنى قول القائل: تبارك الله، أي تعالى.
والمنار: علم الطريق. وذو المنار: ملك من ملوك اليمن، سمي بذلك لأنه أول من بث الأعلام في الطريق ليهتدوا بها، رهو أبرهه ذو المنار بن الحارث الرائش بن شداد بن
1 / 20