(قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين) البقرة 97 ويقول عن الملائكة أجمعين (وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا) مريم 64 فهم لا يتحركون ولا يعملون ولا يؤثرون ، إلا بإذن الله وأمره ، وهو يعلم عنهم كل شيء وحال.
إذا فكل سبب لا يعمل ولا يؤثر ولا يضر ولا ينفع إلا بإذن الله ، لأن الله العليم لمن أذن وبماذا أذن ، ولا يخفى عليه شيء من الأسباب والآثار ولا ما قبل الأثر ولا ما بعده ولا ما بين ذلك ، بل هو المدبر لكل ذلك ، باستمرار ولهذا قال (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) بعد قوله (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه)في آية الكرسي وقال في آية في سورة يونس (قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض) بعد قوله (هؤلاء شفعاؤنا عند الله)وقال في آية في سورة الزمر (له ملك السماوات) بعد قوله (قل لله الشفاعة جميعا) وفي آية السجدة قال(ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم) بعد قوله (ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون)إذا فهو العليم المدبر ، والمحيط علما بما تقدم وتأخر ، والمطلع على كل أثر ، وعلى كل سبب وشفيع ومؤثر ، حتى الملائكة لا أثر لهم إلا بما أذن وبما أمر ، وكيفلا والله يقول في سورة الحديد (سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ?1? له ملك السماوات والأرض يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير ?2? هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم ?3? هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير ?4? له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور ?5? يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور ) الحديد1-6 إن كل هذه الصفات ، وكل هذه البينات ، الدالة على علم الله بكل شيء وحي ، تقطع الريب في القلوب ، وتقطع الشك في النفوس ، فكيف كيف بعد هذا نظن لله شريكا في علمه يشفع ، أو نتوهم لله عضدا في حكمة ينفع أو تحسب لله ندا في قدرته يدفع.كلا بل هو الشافع والنافع والدافع ، وهو ذو العلم المحيط الواسع وكل شيء له فقير ، وبه مسير ، وكل شيء إليه محتاج مضطر وكل حي وعاقل من جن أو بشر ، لا يعلم شيئا إلى ما علمه الله ، وكل نبي أو رسول ، لا علم له من ربه الخبير ، إلا مهمة له إلى الإنذار والتبشير وكل ملك في السماء والأرض ، لا عمل له ولا أثر ، إلا ما أمر به ربه ولا قدرة له على شيء ، إلا ما مكنه فيه ربه ،
وهنا نصل بكم إلى الآيات التي تتحدث عن الملائكة ، وتوضح مهمتهم في هذه الدنيا ونبين مدى شفاعتهم ومتى فلنقرأ الآيات التي تتحدث عن شفاعتهم ولنبدأ من أول تلك الآيات الواردة في سورة الأنبياء (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون ?26? لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ?27? يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ?28? ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين ?29?) الأنبياء 26-29 تأملوا الآيات وتدبروها ، تجدوها تسلب عن الملائكة الفعل والقول ابتداء وارتجالا ، وتبته لهم اتباعا لله وامتثالا ، ثم إذا كلفهم أن يعملوا شيئا ، فإنه معهم (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) وعليه فإن ما يجرونه من قول وعمل ، فهو عن أمر الله الأجل ولا يمكن أن يشفعوا ولا ينفعوا ، ولا يمكن أن ينال أحد منهم نفعا ولا يستفيد عبد منهم دفعا ، إلا إذا كان الله ربه رضى بذلك ، وقضى به له ، وأمرهم بأن يعملوا له ما ارتضاه ربه له ، وهم يعملون ذلك العمل الذي ارتضاه الله لعبده ، وهم في حال من الوجل الدائم ، والإجلال لربهم العالم ، وهم من خشيته مشفقون ، ثم أن الملائكة عباد مكرمون ولا يمكن أن يفرطوا في كرامتهم ، فيدعوا أن أفعالهم من ذات أنفسهم وبدون علم ربهم ، كلا فإذا فعلوا ما لا يرضاه الله ، وزعموا أنهم شركاء في ملكه وحكمه ، وأنهم يحكمون في الخلق من دونه ، وهو لا يعلم فهذا ظلم جزائه جهنم ، لأن فاعله قد تجاوز الحد الذي حدده الله الأعلم الأعظم ، وسبقه في ما قضى وحكم ، وصار مع من أشرك بربه وظلم فما جزائه إلا جهنم ، وهذا هو حكم الله في كل من ظلم ولتأكيد هذا الحكم ، فإن الله قد ختم الآيات بقوله (كذلك نجزي الظالمين) وهذه الآيات هي تأكيد لما سبق ، والتي تنفي عن الله الشركاء وتقول في وضوح عن الموضوع (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون ?22? لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ?23?) الأنبياء 22/23 وهكذا يتضح أن الملائكة في الدنيا لا يشفعون ولا ينفعون ، إلا بما ارتضاه الله من حكم ، ولا يناله أحد من العباد ، إلا من ارتضاه الله له وكل العباد خاضعون (وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون ?19? يسبحون الليل والنهار لا يفترون ?20?) الأنبياء 19/20
وإذا كانت آيات الأنبياء قد أفصحت عن هذا الأمر بجلاء فإني أدعوكم إلى سواها لنتدبرها سواء لنبدأ من سورة البقرة ، فلقد وردت فيها أربعة آيات ذكرت فيها الشفاعة فآية الكرسي التي أوردناها سابقا، خاصة بالشفاعة في الدنيا والقران فيها دالة على ذلك فهو بقوله تعالى (له ما في السماوات وما في الأرض) وبقوله (وسع كرسيه السماوات والأرض) إذا فالحديث عن الحال والأثر في الحياة الدنيا ، فلا يشفع فيها شيء ولا ينفع إلا بإذنه أما الثلاث الآيات الأخرى ، فهي عن الشفاعة في الأخرى ، وهي تبدأ بقوله تعالى لبني إسرائيل (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين ?47? واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون ?48?) البقرة 48 إن الله يحذرهم من الابتعاد ، عن تقوى يوم المعاد ، فإنه يوم لا ينفع فيه إلا العمل ، وليس للإنسان فيه إلا ما سعى ، وكيفلا وقد أكد هذا بقوله (لا تجزي نفس عن نفس شيئا) لننطلق إلى سورة سبأ ، فإن الآيات فيها تتوالى واضحة البيان ، بأن الله هو المدبر للعالمين ، وتفند دعوى من أدعى أن لله بنات وبنين ، فلنقرأ الآيات متدبرين (قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير) سبأ 22 يا من يزعم أن لله شفعاء ، ويا من يدعي أنه له شركاء في حكمه في الدنيا في الأرض أو في السماء ، ها هو الله يأتيك بالنبأ ألا تتدبر هذا البيان ، ألا تصغي إلى هذا البرهان ، إن الله يتحداك أن تدعوا هذا الشفيع المزعوم ، الذي تركن إليه من دون الله ، إنك إن فعلت ، فقد اعتمدت على الهباء ، وخبطت في ظلمة ظلماء وجهالة عمياء ، وكيفلا وكل من تزعمهم شفعاء (لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض أي لا يعلمون مثقال ذرة في هذا الخلق الواسع الكبير ، وهذا السكون الرائع البديع ، فكيف يستطيعون أن يفعلوا شيئا مما تزعمون
هل شاركوا الله في خلق السموات والأرض شيئا ، كلا بل هم محكومون (وما لهم فيهما من شرك) هل استعان الله بهم في الخلق واتخذهم عضدا ، كلا بل هم عاجزون محتاجون ، فقراء لمن الله
(وما له منهم من ظهير) وإذا فأنى يشفعون ، وهم لا يعلمون شيئا ولم يخلقوا شيئا من الأشياء ، بل ولا اتخذهم الله أعوانا فيما يشاء كلا إن هذا لافتراء ، وما هي إلا أوهام وظنون ، لا تغني عن الحق شيئا ولهذا فإن الله يتبع هذا البيان ، بنفي الشفعاء في كل حال وأثر ، وفي كل أمر وشان فيقول(ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) سبأ 23 ماذا تعني هذه الآية ، إنها تعني بوضوح وجلاء أن كل سبب متوقف في خشوع ، مستشرف للتكليف بقلب مفزوع متوجه إلى ربه في حال وجل وهطوع وذل وخضوع فهو لا يعلم شيئا ، مما سيقضي به الله ويأمر ولا يدري ما يقدره الله ويدبر ، بل هو في فزع وتحفز ، لأمر الله منتظر هذا هو حال كل الأسباب ، سواء العقلاء أولوا الألباب ، أو الجمادات من الأسباب ، الكل في فزع وارتقاب ، لأمر الله الواحد القهار الغلاب فلا حركة ولا سكون ، في انتظار أمر الله ، الذي يقول للشيء كن فيكون ثم ماذا (حتى إذا فزع عن قلوبهم) أي كشف الفزع عن قلوبهم وانتهى زمن الارتقاب ، وجاء الأمر الصواب ، وسمعوا من ربهم الخطاب هنا يعلمون أنه قد أذن بما يشاء ، وأطلق الإذن للعمل ، فإذا بهم يسأل بعضهم بعضا ، قالوا (ماذا قال ربكم) وهو مجرد تصور للاستماع والامتثال ، والإصغاء لذي الجلال ، لكن الكل يدرك أن ما أمر به الله وقال ، هو الحق بلا جدال ، ولهذا جاء الجواب من الجميع بلسان واحد (قالوا الحق) هكذا هو حال كل سبب ، وهو حال عجيب ، فنطلق السبب أو الشفيع نافعا ، ويصبح ما قضى الله به واقعا ، فهو ينطلق ولا يبقى أمامه مانعا ، وكيفلا والله القدير قد قضى به وأمر ، وإذن به وقدر فلابد أن ينفذ في لمح البصر ، فليطع الأمر بلا تأخير ، فالله له الأمر والتدبير ، وقوله الحق وله وحده التقدير ، وهذا ما يعبر عنه السؤال (قالوا ماذا قال ربكم) إنه سؤال الطاعة والامتثال ، ولهذا يقول الجميع في الحال ، بعد أن سمعوا أمر ذي الجلال (قالوا الحق وهو العلي الكبير) وإذن فالتنفيذ والمباشرة لما قال الله ، هو العمل الحق لا سواه ، وكل سبب يمضي إلى ما كلف به ، بحرص وانتباه ، فالله من خلفه ومن بين يديه ، يعلم بما يعمل ، وهو العلي الذي يقهر كل عبد ، ويدبر ما يفعل وهو الكبير الذي يحيط علما ، بكل شيء ولا يجهل ، فكل سبب بأمره يعمل ، في خضوع ، ولما يقوله يسمع ويطيع ، فلا شفيع ينصح عنده وفي ملكه ، إلا وهو عبد ربه يعمل في خضوع ،
فلنكن على يقين أن الشفاعة لا تنفع عنده ، وفي ملكه إلا بإذنه وعلمه ، لأن التدبير تدبيره والتقدير تقديره ، وأنه يعلم لمن إذن ، وبماذا إذن ، ويعلم كيف تنفذ الأمر ، ومتى وإلى متى ، وأين المبتدئ وأين المنتهى ، فهو محيط بكل ذرة علما ، وبكل حركة لها ، وهو المقدر دورها ، والميسر أمرها وهو المسير لها ، في دربها ، والمحدد مستقرها وأنت أيها الإنسان ألا تعي أنك كذلك ، وأن أمرك بيد ربك إن كنت لا تعي ، فها هي الآيات ، توضح لك الأمر بجلاء ، فيقول الله بعد تلك الآيات ، موجها إليك الخطاب ، على لسان رسوله ، ومرددا إليك السؤال بطريقة جميله ، فاستمع وأجب بنفس مسئوله (قل من يرزقكم من السماوات والأرض) أسمعت السؤال ، فلماذا أنت ساكت بلا جواب ، هل أنت على ارتياب إن كنت كذلك ، فهذا أمر لا يليق بأولى الألباب ، ولكن مع هذا فإن الله يتولى بنفسه الجواب ، ويلقن رسوله الصواب ، فيقول (قل الله) نعم إنه الله الرازق لا سواه ، فهو الذي يبسط الرزق ، ويفتح أبوابه من السموات والأرض للملأ ، وإلا فمن ذا الذي يأتيك بالضياء والهواء والماء والغذاء ، ومن يمنحك الحركة والسكون ، في الليل والنهار ويمكنك من السعي باقتدار ، هل تقول إن هناك سوى الله شفيعا يوقضك كل يوم ، أو يرسل إليك النوم ، هل تدعي أن الهواء يأتيك
من منفاخ صنعته أنت أو سواك ، هل تزعم أن الماء يأتيك من نبع ابدعته أنت بقواك ، هل تحسب أن قوتك وخبرتك هي التي تأتيك بالرزق والمال والأمان ، وإن حيلتك هي التي جلبت إليك الجاه والسلطان ، كلا بل كل ذلك مقدر لك ، من ربك ذي الجلال ، وهو بها يبتليك ، يرى هل تهتدي إليه ، أم تبقى عنه في ضلال ، ولهذا ختم الآية موجها الخطاب للإنسان ، في كل أحواله على لسان رسوله ، فقال (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) سبأ 24 فماذا تبقى أيها الإنسان ، المخاطب بهذا المقال ، وماذا تريد أيها الإنسان الموجه إليك السؤال ، إنك مخير وحر الخيار ، هل توقن أن الله هو الشافع والنافع ، والرازق والخالق ، والمدبر والمسير ، والعليم بكل جهر وسر ، والرب لكل شيء ، فتكون من المهتدين ، وعلى هدى من الله رب العالمين ، أم تدعي سواه شفعاء ، ومعه شركاء ، وله أندادا في الحكم والتدبير ، والنفع والضر والتقدير ، فتكون في ضلال مبين ، لا شك أن أولى الألباب يختارون الفريق الأول بلا تردد ولا ارتياب .
ثم أن هذا المقام لله رب العالمين ، مقام العالم المحيط بكل شي يتجلى بوضوح ، ويتوالى بأسلوب فصيح ، من أول سورة سبأ إلى آخرها فكلها تفصح عن علمه والتدبير ، وحكمته في التقدير (الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير) سبأ 1 فالحمد لله وحده ، وكل الحمد له في الأولى والآخرة ، وكيفلا وهو الذي له تدبير ما في السموات وما في الأرض ، وهو يدبر ذلك بحكمه وخبرته وبعلمه وقدرته ، ولهذا ختم الآية بقوله وهو الحكيم الخبير ، ولتأكيد هذا بصورة أوضح يقول (يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغفور) سبأ 2 فعلمه مستمر بكل حركة وسكون ، وكل صعود وهبوط وكل خفاء وظهور ، وكل نمو وضمور ، وكلما لا نعلمه ولا نحصيه وهو مع ذلك الرحيم الغفور ، فرحمته وسعت كل شيء ، وهو الذي يفتحها متى يشاء ، ويمكنها لمن يشاء ، وهو الذي يغفر لمن يشاء فالأمر له وحده ، والعطاء والخلق له وحده ، والإنشاء له وإليه المرجع والمأوى ، وله الأولى والأخرى ، وهو المحمود فيهما بلا مراء ولهذا فإن الممارين في الساعة جهلاء ، ولا يقدرون الله حق قدره بل يجعلون له شركاء ، ويتخذون من دونه شفعاء ، وهذا هو الغفلة والغباء ، لأن الله يعلم كل غائب ومشهود على السواء (وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم) لماذا هذا القسم وهذا التأكيد ، وما هو الدليل على الساعة الأكيد إن الله يحسب بلا إمهال ، وبها وضح المقال (عالم الغيب) كيف هذا العلم وما مداه ؟؟ اسمع الجواب (لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين) سبأ 30 هل بعد هذا يظن ظان ، أن له شفعاء أو تنفع الشفاعة عند الله أو يدعي أحد ، أن للأسباب أثرا في ملك الله واستقلالا عن أمر الله أو فعلا دون إذن الله ، كلا كلا .. بل هو العزيز الجبار ، والواحد القهار وله الخلق والأمر وحده ، وله التدبير والتقدير لا سواه ، ولا يشركه في حكمه أحد ، ولا ينفع سواه ، ولا يشفع أبدا ، حتى الملائكة ، ولهذا قال من عبدوا الملائكة متوهمين ، أن لهم النفع أو الدفع ، أو الشفاعة فيما يضر أو ينفع ، يجدون من الله التنكير ، ومن الملائكة الاستنكار ، في آخر السورة فيقول (ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون ?40? قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون ?41?) سبأ 40/41 أسمعتم.. حتى الملائكة لا يشفعون ولا ينفعون ، فإذا هم في الدنيا قد عبدوا ضلالا ، فإنهم في الأخرى يسبحون الله ، وينكرون على المستشفعين هذا الضلال ، ويؤكدون أن الله وحده وليهم ، وأنهم عبيد له فمن استشفع بهم وعبد ، فإنما اتبع هواه ، واتبع الشيطان فأغواه وأضله عن ربه ومولاه ، فلا ينفعه شيء هنا ، لا الملائكة ولا الجن الغواه فاليوم لا يملك بعضهم لبعض نفعا ولا ضرا ، ونقول للذين ظلموا (ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون) سبأ 42 أرأيتم كيف أن الحكم لله وحده ، وأن الشفاعة في الدنيا والأخرى له وحده حتى الملائكة الكرام ، عباد لا يعملون إلا بما حكم ولا يعلمون شيئا مما يقضي ويحكم ، حتى إذا جاءهم الإذن انطلقوا للمهمات ، وهو بهم جميعا وبما يعملون يعلم ، فسبحانه الله عما يشركون ، وتعالى علوا كبيرا عما يصفون ، والحمد لله رب العالمين.
وبعد فإن من عبدوا الملائكة قد أبطل دعواهم في سورة سبأ التي نغادرها الآن إلى سورة أخرى ، فما هي السورة التي سنسير إليها إنها سورة لا تخفى ، فإنها فضيه كالنجم الثاقب ، وتدعونا لتلاوة آيات التنديد فيها ، بكل مشرك كاذب ، ولنتدبر آيات الكشف والتشفيع ، لكل مدع للشفاعة بلا علم ولا دليل ولا بيان ، ولكن بالوهم والظنون ، التي يتبعها الجاهلون ، فلنمض إلى سورة على نور الله ، ولنقرأ ما يقوله الله. إن السورة تخبرنا أن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم ، لا ينطق عن الهوى ، قد أوحي إليه القرآن فهو ينطق بما أوحي إليه ، ولا يتعداه ومستحيل أن يقول أن ما يملي عليه هواه ، كلا وكيف يمكن ذلك (إن هو إلا وحي يوحى ?4? علمه شديد القوى ?5? ذو مرة فاستوى ?6? وهو بالأفق الأعلى ?7? ثم دنا فتدلى ?8? فكان قاب قوسين أو أدنى ?9?) النجم 4-9
Bilinmeyen sayfa