أنا هنا لن أطيل الكلام حولها فلقد أفردت لها بحثا خاصا فليرجع إليه من شاء ففيه البيان والشفاء. ولكني هنا أقرب للقارئ الخطى والعناء فأقول:
إن الرحمن اسم من أسماء الله تعالى وليس صفة مشتقة من الرحمة كما توهم المفسرون ولا تعجل أيها القارئ قبل أن أبين لك. ألم يقل الله في سورة الإسراء:
(قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى) [110].
إذن فالرحمن اسم من أسمائه العظمى والهامة والكبرى. إن الرحمن اسم يشمل كل معاني وصفات الربوبية كما أن (الله) اسم يشمل كل معاني وصفات الألوهية. إذن فالرحمن يعني الرب المدبر المقدر المسير القريب الخبير المهيمن الذي له الخلق والأمر فتبارك الله رب العالمين.الرحمن يعني المعيذ الحامي الكالئ الحافظ الممسك، الرحمن يعني القريب المجيب البصير القوي القادر القهار المعذب والمحاسب والمعاقب والرحيم والغفور والحكيم والغفار. إنه يشمل كل معاني الربوبية والتدبير والقرب والتسيير واللطف والتيسير والعقاب والحساب والتحذير وغيرها كثير. أنا لا أقول هذا جزافا لأن الآيات تؤكد ذلك في القرآن. لنقرا في سورة مريم قولها:
(قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا) [18]. فهو المعيذ، وقول إبراهيم لأبيه:
(ياأبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن) [مريم:45]. فهو معذب، وقوله تعالى:
(قل من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن) [الأنبياء:42] فهو الكالئ، وقوله تعالى:
(أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير) [الملك:19].
فهو الممسك والبصير والمدبر (الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) [الملك: 3]، فهو الخالق المنظم المدبر المسير. (وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا) [طه:108]. فهو المحاسب والمعاقب والمثيب والراحم. (رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا) [النبأ:37]، فهو المهيمن والمحاسب والمعاقب والمثيب والغافر والعليم بكل شيء وظاهر وهو الذي له الملك والحكم والكبرياء في الدنيا والآخرة ولن أزيد على هذا لشرح كلمة الرحمن، ولو راجعت كل الآيات التي وردت فيها الكلمة ستجد أنها تعني كل تلك المعاني وأكثر فهي ليست صفة كالرحيم ولكنها اسم قوي عظيم ولهذا ناسب أن يأتي بعدها صفة الرحيم في (بسم الله الرحمن الرحيم)، وفي (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم)، لأن اسم الرحمن يدل على الهيمنة والعزة، والقهر والقوة، والملك والتدبير والخلق والتسيير والسلطان الواسع القدير، الحاكم بما يشاء والفعال ما يريد، فإذا كان هذا هو المفهوم من الرحمن فإن الرحيم هو المناسب أن يليه ليؤكد للعباد أنه مع قدرته وقوته وهيمنته وطلاقة سلطته ومشيئته إنه مع ذلك رحيم واسع الرحمة باسطها لمن يستحقها فيدخل إلى النفوس الاطمئنان إليه والتعرض لرحمته والتوكل عليه.
وإذا فهمنا الرحمن بهذه الصفات والدلالات، فإن الرنين الذي سمعه سيد قطب من الكلمة صحيح ومسموع لمن فهم. وإذن فإن الرحمن بهذه الصفات والقدرات وبهذه السمات والميزات وبهذه الهيمنة والسلطات وبهذه الحكمة والخبرات (الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا) [الفرقان:59].
Bilinmeyen sayfa