عادة ما يلتقي التشبيه بالموقف الذي يصفه في نقطة واحدة فقط. في هذه الحالة، في سباق عدو، كان قرب أوديسيوس من أياس يكافئ قرب وشيعة المغزل من صدر امرأة. وبخلاف ذلك فالمشهدان مختلفان تماما عن عمد. فهناك، من ناحية، المسلك البطولي على السهل العاصف، ومن الناحية الأخرى، العالم الهادئ المصون والمسالم المحيط بمسلك أنثى مبدعة.
تستدعي الطبيعة تشبيهات كثيرة وبخاصة عمليات الافتراس التي تقوم بها السنوريات المفترسة، التي يسهل مقارنتها بالمحاربين في عدوانيتها الخطرة. ومع ذلك، فنقطة الالتقاء ستكون بسيطة. آخيل يهاجم إنياس مثل أسد كاسر:
وعلى الجانب الآخر اندفع ابن بيليوس لملاقاته وكأنه أسد، أسد كاسر يتلهف الرجال لقتله، جمع من الناس احتشد، ويتجاهلهم الأسد في البداية ويمضي في طريقه، ولكن عندما يرميه واحد من الشبان السريعين في النزال برمح، عندها يستجمع قواه ويفغر فاه ويسيل الزبد من بين أنيابه، وفي قلبه تزمجر روحه الشجاعة ويلطم بذيله أضلعه وجنبيه على هذا الجانب وذاك ويستجمع نفسه للقتال وبعينين متقدتين يهجم مباشرة وهو في فورة غضبه، إما أن يقتل أحدهم أو يلقى حتفه في الهجمة الأولى. هكذا كان حال آخيل المدفوع بحميته وروحه لمجابهة إنياس ذي القلب الباسل. (الإلياذة، 20، 164-175)
غضب عات هو كل ما يجمع بين حال آخيل وحال الأسد: فآخيل لم يجرح (أما الأسد فجرح) وآخيل لم يكن في البداية غير مبال، ثم استشاط غضبا على العدو.
ومع ذلك، يمكن أحيانا للحال في التشبيه أن يتشابه مع الحال الذي يصفه. فعندما يرى أوديسيوس الوصيفات وهن يمضين ليعاشرن الخطاب، يزمجر قلبه ويفكر في قتلهن حينئذ:
ومثلما تراقب الكلبة عن كثب جراءها الغضة، وتزمجر عندما ترى رجلا لا تعرفه، وتتحمس لقتاله، كذلك زمجر قلبه بين أضلعه في غضبته على فعالهم الخبيثة. (الأوديسة، 20، 14-16)
إن نقطة الالتقاء هي «الزمجرة»، ولكن حاليهما متشابهان إجمالا؛ فالكلبة تزمجر لأن صغارها الأحباء مهددون؛ بينما يزمجر أوديسيوس لأن ملكات يمينه، الوصيفات ، يستولي عليهن غرباء.
إجمالا، لقد رأى القراء في التشبيهات اللمسة الشخصية العظمى للشاعر هوميروس نفسه، كما هو الحال لدى شعراء العصور الحديثة في تصورنا؛ لأن استخدامه للغة والتصوير في التشبيهات مفعم بالإحساس ومدهش لدرجة أننا نشعر بالتقارب مع شخصية الشاعر. وفي حين آل التشبيه إلى هوميروس على هيئة أداة أسلوبية تاريخية، مألوفة في أدب بلاد ما بين النهرين ولكنها غير مطورة أو مستغلة (ومما يثير الدهشة أنه لا يكاد يكون لها وجود في «الملاحم» غير الغربية)، فإنه يبدو أن هوميروس الإنسان قد طوره ووظفه ليصبح وسيلة لامتدادات فكرية مذهلة، مثلما في التشبيه التالي من مشهد مبارزة، حيث يقارن هوميروس بين الجيشين اللذين يشدان من الجانبين جثمانا فيما بينهما بقرويين يدبغون جلد ثور:
وكما حينما يعطي رجل جلد ثور ضخم، غارق في الشحم، إلى قومه لكي يشدوه، وعندما يأخذونه يقفون في دائرة ويشدونه، فتخرج الرطوبة من فورها وينفصل الشحم جراء جذب أياد عديدة، ويتمدد الجلد من كل اتجاه إلى أقصى حد، هكذا من هذا الجانب وذاك كانوا يتجاذبون الجثمان جيئة وذهابا في مساحة ضيقة وقلوبهم مفعمة بالأمل، أمل الطرواديين في أن يسحبوا الجثمان إلى طروادة، أما أمل الآخيين فكان أن يعودوا به إلى السفن المجوفة. (الإلياذة، 17، 389-397)
بل إن ثمة تشبيهات أكثر رقيا:
Bilinmeyen sayfa