114

خدعة أوديسيوس هي أن يخبر بوليفيموس أن اسمه هو «لا أحد»؛ حتى بينما هو محبوس داخل الكهف، وحتى بينما يدمر الموت الهوية الإنسانية. ومثل أبطال كثيرين في الحكاية الشعبية، يجعل أوديسيوس الموت-الوحش مخمورا، ويتغلب عليه بخدعة، ويحدث به عاهة بسلاح خاص (الوتد المدبب). وعندما يولد من جديد بخروجه إلى الضوء، يصرح باسمه. فيصيح قائلا: «أنا أوديسيوس!» وذلك صحيح؛ إذ قبل وقت طويل تلقى بوليفيموس نبوءة بأن شخصا يدعى أوديسيوس سوف يلحق به أذى. ولكن بوليفيموس لم يظن أبدا أنه سيكون بشريا فانيا بالغ الصغر هكذا. وبينما يجدف أوديسيوس ورجاله مبتعدين، يدعوه السايكلوب للعودة إلى الكهف حتى يتمكن من أن يظهر له ما يليق من حسن الضيافة

xenia ، ويعطيه الكثير من الهدايا الرمزية.

إن بوليفيموس، كشأن كل مخلوقات السايكلوب، من نسل بوسيدون إله البحر. عندما يصاب بالعمى، يدعو أباه ليصب على أوديسيوس لعنة أن يشرد أعواما وأن تكون عودته صعبة. بوسيدون هو إله البحر، والبحر هو عدو أوديسيوس الذي يمثل التحلل والموت والفوضى. ومن ثم فإن لعنة بوليفيموس هي تفسير أسطوري لسبب معاناة أوديسيوس، التي تعد اضطهادا يتناقض تناقضا غريبا مع موعظة زيوس الأخلاقية التي مفادها أن البشر هم من يتسببون في مشكلاتهم. إن أوديسيوس بلا شك هو من أعمى بوليفيموس، ولكن من يستطيع أن يلومه على ذلك؟

إن نمط الحكاية الشعبية المسمى «إصابة الغول بالعمى» موجود في كل أنحاء العالم في مئات الأمثلة. وعلى ما يبدو أن كثيرا من التنويعات مستمد من قصة هوميروس، أقدم القصص الموثقة، ولكنها تفتقر عادة إلى موتيفة «حيلة اسم لا أحد»، التي يبدو أنها تنتمي إلى نمط قصصي منفصل؛ فعندما يجرح البطل شيطانا أو جنية، حين يسأله ذلك الشيطان أو تلك الجنية عن اسمه. فيجيب قائلا «نفسي» أو «لا أحد»، بحيث عندما يحاول الغريم أن يهتدي إليه، ويخبر الجميع قائلا «أنا أبحث عن لا أحد»، لا يستطيع العثور عليه. يبدو أن هوميروس قد مزج عناصر من حكايتين شعبيتين منفصلتين لخدمة أغراض حكايته الأكبر، التي تعتبر فيها موضوعات الولادة من جديد (دحر الموت، والهروب من الكهف) وفقدان الهوية (أنا لا أحد) موضوعات محورية. (10) المجموعة الثانية: «أيولس، اللستريجونيين، سيرس» (الكتاب 10)

كان على أوديسيوس أن يتعامل مع شعب السيكون، ورجال عاديين، ومواد مخدرة في أرض اللوتس، وعملاق آكل للحوم البشر ؛ والآن عليه أن يتعامل مع أحد سادة العناصر، وهو ملك الرياح أيولس الذي يعيش كإله في وليمة أبدية، حيث يطعم أبناؤه وبناته الاثنا عشر دوما، ومتزوجون بعضهم من بعض في قران بين محارم (أيولس هو أيضا اسم مؤسس بيت إيولكوس، الذي انحدر منه جيسون، والذي لا صلة له على ما يبدو بأيولس الأول). القصة عبارة عن حكاية شعبية صرفة. يقدم ملك الرياح للبطل منحة، هي كل الرياح السيئة في جعبة، فلم يبق إلا الرياح الجيدة لتهب، ومعها النهي الشائع في الحكايات الشعبية: «لا تفتح تلك الجعبة!» يفعل أتباع أوديسيوس الغادرون ذلك على أي حال، بعد أن خامرهم الشك في أن يكون الجشع الذي يأكل أحشاءهم قد أصاب زعيمهم، ويدفعون الثمن. القصة ملائمة لموضوع هوميروس المتعلق بالجريمة والعقاب، ونرى مدى ابتعادنا عن أسلوب السرد الواقعي عندما يبحر أوديسيوس لمدة تسعة أيام وتسع ليال سحرية ولا يغلبه النوم إلا عندما يكون قريبا جدا من الشاطئ، حتى إن بمقدوره أن «يرى دخانا». فجشع رجاله واشتياقه إلى النوم «هما» العدو. إن أي رجل تقف ضده أمور كثيرة على هذا النحو لا بد وأنه محل غضب مهلك مصدره قوى فوق قدرة البشر، كما يؤكد أيولس بينما يطرد المسافر غير الطائع الذي يرجع إليه. فلكي ينجو أوديسيوس، عليه أن ينهض (من رقاد الموت).

تظهر أرض اللستريجونيين بملامح شمالية تماما، وهي على ما يبدو دليل على مستودع أوروبي شائع للحكايات الشعبية. يصل رجال أوديسيوس إلى مرفأ ضيق، أشبه ببوغاز نوعا ما، ولكن دون تبرير يكون هو الوحيد الذي يرسو بسفينته خارجه. يوجد على ما يبدو اثنتا عشرة سفينة (مثلما ذكر في قائمة السفن في الإلياذة، 2، 637)، وهكذا تدخل السفن الإحدى عشرة الأخرى إلى المرفأ الضيق. تمضي جماعة منهم إلى الداخل ويلتقون بفتاة عند بئر، وهي إحدى موتيفات الحكايات الشعبية، بصرف النظر عن أن أوديسيوس التقى بناوسيكا بالقرب من البحر. يندفع اللستريجونيون - العمالقة المتوحشون آكلو لحوم البشر والذين يشبهون مخلوقات السايكلوب (انظر شكل

7-1 ) - صوب الآخيين الذين لا حول لهم ولا قوة ويضربونهم بحرابهم، على نحو يشبه اصطياد أسماك في برميل. ولا ينجو إلا أوديسيوس، عن طريق حيلة الرسو خارج البوغاز. لا بد أنه كان يعرف مسبقا أن شيئا ما سيحدث، فاستعان ب «عقله»

mêtis

ليتوقع الخطر ويتخذ تدبيرا يكفل له تفاديه. فأحد نعوت أوديسيوس هو

polymêtis «كثير العقول».

Bilinmeyen sayfa