اليونانية يمكن أن تعني ببساطة «فتاة شابة»، وفي موضع ساحر على جزيرة غريبة تشبه ناوسيكا ووصيفاتها حقا أرتميس و«حورياتها».
تلعب الفتيات بالكرة ولكن عندما تضل الكرة تصرخن، فتوقظن أوديسيوس. فيمشي بينهن متهاديا وجسده مغطى بالماء المالح، عاريا إلا من غصن يمسك به، خارجا لتوه من ثلاثة أيام في البحر. وهذا التباين بين رجولته الخشنة وشبابها البتولي يجعل شرارات الجنس تنتشر فيما حولهما. لقد أمضى عشرين يوما على طوف وعشرين سنة في بلاد غريبة، منها سبع سنوات كان فيهم في حصار جنسي من قبل كاليبسو الإلهية، في حين كانت ناوسيكا في الليلة السابقة تحلم بالزواج. فيصبح الزواج هو أحد موضوعات حديثهما، ويرى أوديسيوس أن الرجل الذي يستحوذ على ناوسيكا سوف يكون محظوظا حقا:
لأن ليس ثمة شيء أعظم أو أفضل من هذا، عندما يجمع بيت واحد رجلا وامرأة معا، ويتشاركان قلبا واحدا وعقلا واحدا، فذاك حزن عظيم لأعدائهما وسرور لأصدقائهما، بينما تكون شهرتهما بلا نظير. (الأوديسة، 6، 182-185)
الزواج هو التقليد الذي يتهدده الخطاب هناك على جزيرة إيثاكا من خلال جشعهم وشهوتهم. في «الإلياذة» كان زواج هيكتور وأندروماك عبارة عن مأساة وكان زواج هيلين وباريس كرواية هزلية. أما زواج أوديسيوس وناوسيكا فهو أمر مستحيل، مهما كان مدى رغبتهما فيه. فأوديسيوس هو الرجل الذي يعرف أن عليك أن ترجئ إشباعك المؤقت إن أردت تحقيق رغباتك العميقة؛ إذ يجب على أوديسيوس أن يحرص على عدم الإساءة لوالدي ناوسيكا، الملك والملكة؛ فمن دون مساعدتهما لا يستطيع أن يرجع إلى الديار.
إن المشهد مبني على نحو يشبه الحكاية الشعبية المسماة الأمير الضفدع، وهي القصة الأولى في مجموعة قصص الأخوين جريم، حيث تسقط فتاة كرة في بئر، فيسترجعها ضفدع. وعندما تقبل الفتاة الضفدع، يتحول إلى أمير، ثم يتزوجها. على نحو مماثل تلقي إحدى رفيقات ناوسيكا كرة في مجرى الماء وتوقظ أوديسيوس، الذي يبدو مظهره للناظر والمتأمل وكأنه وحش حقيقي. على أي حال، لا يستطيع أوديسيوس أن يتزوج ناوسيكا، وفقا لنمط الحكاية الشعبية الذي يسير سرد حكايته. بعد إتمام ناوسيكا لمهمتها المتمثلة في ضمان دخول أوديسيوس إلى القصر، تسقط من القصة، ولا تظهر ثانية إلا ظهورا موجزا.
يتبع أوديسيوس ناوسيكا عن بعد، تحريا للعفة، إلى المدينة، ولكنه يمضي بحذر منحرفا عن الطريق قبل أن يراهما أحد معا. تلقاه أثينا متخفية في هيئة فتاة صغيرة، وهي معاونة البطل المعتادة في الحكايات الشعبية، وتوجهه إلى القصر. وجهت ناوسيكا إليه النصح، وتكرر أثينا النصيحة، بأن يلجأ إلى رحمة الملكة أريت. يدخل إلى غرفة العرش يخفيه غيم، ويقبل على الملكة، ويطوق ركبتيها بذراعيه، ويسألها إعادته إلى دياره.
لا أحد يعرف السبب وراء حاجة أوديسيوس إلى الإقبال على الملكة أريت بدلا من الملك، الذي، أيا كان الأمر، يقبل على الفور طلب الغريب بتأمين رحلة عودة إلى الديار. ربما ينتمي الحدث إلى نمط الأنثى التي تكون عدائية في أول الأمر، ثم تغدو متعاطفة مع عودة أوديسيوس إلى الديار. وهكذا كانت كاليبسو تريد أن تستبقيه، ثم تساعده في الإعداد لرحلته إلى جزيرة سكيريا. وأرادت سيرس (كما سنرى) أن تفتن أوديسيوس أو أن تفقده رجولته، ثم تساعده في رحلته التالية. ليس الفياشيون ودودين تماما (كما سيتضح عما قريب)؛ فهم، كشأن مخلوقات السايكلوب، من نسل بوسيدون، عدو أوديسيوس اللدود. ودخول أوديسيوس إلى القصر متخفيا، كخطيب محتمل للأميرة، مناظر لاقتحامه القصر على جزيرة إيثاكا خفية، حيث يتنافس مع الخطاب للظفر بسيدة البيت.
وأخيرا تسأله أريت: «من أين حصلت على تلك الثياب؟» إذ تشك محقة في أن ثمة شيئا بين أوديسيوس وابنتها. وبكثير من الكياسة يبين الغريب نواياه الطيبة، ولكن الملك ألكينوس يتقدم ويعرض عليه بالفعل يد ناوسيكا! (8) «الغريب في المسابقة» (الكتاب 8)
يعيش الفياشيون على تخوم أرض سحرية؛ فهم يعيشون في جنة. يبدو أوديسيوس للفياشيين كما لو أن كائنا إلهيا ظهر بينهم (بفضل تأييد أثينا له). وكحال سكان الأرض السحرية، نجدهم هم أيضا، بطريقة غريبة، خصوما لأوديسيوس، حسب نمط الحكاية الشعبية الذي يتبعه هوميروس، وحينئذ:
جعلته أثينا أطول وأقوى في عين الرائي، حتى يكون موضع ترحيب من كل الفياشيين ويظفر بالهيبة والوقار، وينجز المآثر العديدة التي اختبر الفياشيون فيها أوديسيوس. (الأوديسة، 8، 20-23)
Bilinmeyen sayfa