ـ[الحجج الباهرة في إفحام الطائفة الكافرة الفاجرة]ـ
المؤلف: جلال الدين محمد بن أسعد الدواني الصديقي المتوفى ٩٢٨ هـ
تحقيق ودراسة: د. عبد الله حاج علي منيب
الناشر: مكتبة الإمام البخاري
الطبعة: الأولى، ١٤٢٠ هـ - ٢٠٠٠ م
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
_________
(تنبيه): النص الإلكتروني والهوامش عن مطبوعة أخرى، انظر مثلا هامش ص ١٣٤
Bilinmeyen sayfa
- بسم الله الرحمن الرحيم -
الحمد لله محكم أحكام الجمهور بمذاهب السنة، رافض حكم بدعة الرفض بأحكام الكتاب والسنة. والصلوات الطيبات على نبيه محمد أشرف المخلوقات من البشر والملك والجن، فصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه مصابيح أهل الجنة في الجنة.
أما بعد، فإنه لم ظهر دين الإسلام على الأديان كلها تحقيقا لما وعده الله تعالى بقوله سبحانه: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ وقوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ﴾ ونحو ذلك، امتدت إليه الأبصار فأصابته عيون الحساد.
1 / 65
حتى ظهرت هذه الفرقة المعارضة المسماة بالرافضة على رأس المائة الرابعة من خلافة بني العباس، فأحدثت فيه أقوالا. بعضها مبني على الكذب الظاهر. وبعضها مبني على التأويل الفاسد. وبعضها مبني على السخرية والضحك ونحو ذلك. وكان الأولى أن نعاملهم بالإهمال بأن نضرب عنهم الذكر صفحا بعدم الرد عليهم، كمعاملة أعداء الإسلام من أهل الكتاب في بلاد الإسلام، لكون حقيقية الإسلام وبقائه وبطلان اليهودية والنصرانية بقيا قطعيتين. وكذلك مذهب الجمهور ومن خالفه.
1 / 66
ولأنهم تجري عليهم أحكامنا، وتحت أيدينا وسلطاننا، بالخصوص في مشهد علي ﵁ وفي الحلة اللذين هما تحت الرفض.
1 / 67
لكن حيث كان لهم في بعض الأماكن من عراق العرب ظهور وجدال، لترخص أهل العراق وسلاطينهم في الدين، احتجنا إلى الرد عليهم بسؤال من لسؤاله حق من الإخوان.
وإني ملتزم أن لا أحتج بالحديث إلا نادرا، لكون متنه مظنونا يجوز للخصم دفع الاحتجاج به بدعواه الكذب له. بل إما أحتج بالقرآن لكونه مقطوع المتن أو بالمعقول المقطوع الدلالة أو بما شاهدته منهم رأي العين، حين ابتليت عندهم بالأسر ومكثت عندهم قريبا من ثماني سنين، وذلك عند سياحتي لطلب العلم.
1 / 68
وعلم الله وكفى به عليما أني لا أستعين في ذلك بكتاب بل بديهة.
وإني معتذر إلى أمير المؤمنين علي ﵁ وإلى مجموع أهل البيت ﵈، بما يوهم التجري به من الحق الذي كان الإغماض عنه أولى، وإن كان الرافضة سببه، وإن كان جائزا كونه حقا. وأهل البيت لا يجزعون من الحق، لأن الله تعالى أجاز بمثله عمن هو أفضل من علي ﵇، وهو عيسى ﵇ حين غالت النصارى به وبأمه: ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ﴾ أي كانا يخرجان لقضاء الحاجة.
ورتبته على مقدمة وسبعة فصول.
أما المقدمة ففي خلافة الخلفاء قبل علي ﵁
1 / 69
(إمامة أبي بكر)
أما إمامة أبي بكر ﵁ فالدليل عليها من وجوه.
الأول قوله تعالى: ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى﴾ أجمع المفسرون أنها نزلت في أبي بكر ﵁. وإذا ثبت أنه الأتقى ثبت أنه الأكرم عند الله تعالى لقوله تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾. وحينئذ فيثبت فيه استحقاق التقديم على كل أحد غيره، لكونه دونه بالتقوى والكرامة عند الله تعالى، كما هو مفهوم الآية.
الثاني: قوله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾
1 / 70
وهذا الداعي -هو الموعود على طاعته حسن الثواب وعلى مخالفته أليم العقاب- ليس هو النبي ﷺ لكونه ﵊ مأمورا بنهي المخلفين من الأعراب عن اتباعه بقوله تعالى: ﴿قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ﴾ فامتنع أن يكون هو الداعي. وليس هو عليا ﵁ لأنه لم يقاتل في أيام خلافته الكفار وإنما كان حربه مع المسلمين. فتعين أن يكون الداعي هو الصديق ﵁، لأنه دعاهم إلى قتال بني حنيفة أهل الردة في اليمامة، وهو أولو بأس شديد، كانوا ثمانين ألفا. ولقوة بأسهم
1 / 71
أشار إليه علي ﵁ بالقعود عنهم فقال: هؤلاء أصحاب شوكة، وهذا أول عسكر يخرج لنا بعد موت النبي ﷺ، نخاف أن ينكسر فلا يقوم لنا بعده قائم. فما وهن الصديق ﵁ ولا ضعف. ثم جهز العسكر وخرج معه مرحلة حتى تسمّع الناس بخروجه، وأمّر عليهم سيف الله خالد بن الوليد ﵁، فظفر بهم وقتلهم وقتل أميرهم مسيلمة الكذاب
1 / 72
ورجع بالغنائم والسبي. ومن سبيهم تسرّى علي ﵁ الحنفية أم ولده محمد، واستقر الإسلام في اليمامة. وكانت تلك أسا لبناء الإسلام بعد النبي ﷺ.
الثالث قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ والنبي ﷺ لم يأخذ غير جزيرة العرب، وتوفي ﵊ ولم يظهر دينه على كل الأديان إلا في خلافة الصديق
1 / 73
﵁ وخلافة صاحبيه بعده ﵃، لأنهم أجلسوا ملوك الأديان المخالفة لٌلإسلام من اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم على التراب وسلبوا ممالكهم وخزائنهم وخلعوا تيجانهم. ومن سلم من سيوفهم ولم يُسلم ضربوا عليه الجزية. واسترقوا الأطفال والنساء، حتى أخذوا شاه زنان -ابنة كسرى الذي كانوا يسمونه الأعاجم شاه شاهان- رقيقة. فتسراها الحسين ﵁ من سبي عمر ﵁. ولا دليل أظهر من هذا على حقية الخلفاء الثلاثة. إذ الدين الذي سماه الله تعالى بالهدى ودين الحق كان ظهوره على الأديان كلها بإمامتهم.
1 / 74
الرابع قوله تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ﴾ ومعنى رؤية آيات الله سبحانه في الأفاق، كما نقل صاحب الكشاف، هو انتشار هذا الدين في أقطار. ومعنى رؤيتها في أنفسهم تمليك الضعفاء من المسلمين ممالك الأغنياء من الملوك، وملكوا ممالكهم وهم عرب قرية، يعني أهل مكة. حتى حكم سلمان ﵁ في مملكة كسرى، وهو فارسي غريب مملوك.
1 / 75
والمغيرة بن شعبة ﵁ في مملكة النعمان بن المنذر، الحيرة وأعمالها. ومعاوية ﵁ في الشام، مملكة هرقل ملك الروم، وهو من صعاليك العرب.
1 / 76
وعمرو بن العاص في مصر مملكة فرعون. حتى آل الأمر بعد ذلك إلى أن كان المأمون يقرأ حتى وصل إلى قوله تعالى حكاية عن فرعون: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ﴾ فصاح بالخصيب، وكان عبدا مولاه علي الوزير أبو المنصاة، فأجابه، قال: وليتك مصرا، استصغارا لما استعظمه عدو الله فرعون. وأمثال ذلك. ولا دليل أبلغ من ذلك على حقية هذا الدين وحقية إمامة الثلاثة، إذ كانوا أصله.
الخامس قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ
1 / 77
الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ والمراد بالركوع هاهنا التواضع والخضوع، من قول الشاعر:
لا تهن الفقير علك أن تر ... كع يوما والدهر قد رفعه
وبذلك فسره صاحب الكشاف، فهو قوله تعالى: ﴿خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾
وفي هذه الآية دليل واضح على إمامة الثلاثة: الصديق وصاحبيه. إذ
1 / 78
شروط الولاية في الآية حاصلة وصالحة لهم؛
1 / 79
لوجود الجُمع وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والخضوع. أما الولاية والجُمع وإقامة الصلاة فظاهر عليهم. وأما إيتاء الزكاة فلا شك أنهم كانوا أصحاب أموال. وأما الخضوع، هو عدم التكبر، فقد ثبت أن الصديق ﵁ كان أرأف الصحابة وألينهم جانبا. وعمر كان يلبس المرقّع، وكان عليه رداء فيه إحدى وعشرون رقعة، واحدة منها قطعة جراب. وكان يحمل الطعام على عاتقه للضعفاء. وكان يعمر القناطر ويحمي القوافل بنفسه وأمثال ذلك. هذا وهو ملك الدنيا ومالك ملوكها بالقهر، وقد طبقت راياته وعساكره الأقطار، وترجف من سطوته ملوك الأرض من غير منازع في إمامته. وعثمان ﵁ كان على مثل ذلك بالسطوة والحكم، وصبر
1 / 80
لقتله ولم يدم من المسلمين مثل محجمة من دم عند حصاره، وقال: لا أكون أول من خلّف محمدا في أمته بالسيف. وهذا دليل متضح على صحة إمامتهم.
ادعت الرافضة [لعنهم الله] أن هذه الآية في علي ﵁ خاصة دون غيره. واحتجوا بها أنه ﵁ تصدق بخاتمه على سائل وهو راكع.
1 / 81
ويمتنع ذلك من وجوه:
الأول أن الذين ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا﴾ لفظ جمع، ويمتنع حمل الجمع على الواحد في لغة العرب. قالوا: للتعظيم. قلنا: التعظيم هاهنا مدفوع لعلي ﵁، إذ الله ورسوله ذكرا في الآية من غير مقارنة تعظيم، فكيف يذكر التعظيم له دونهما.
1 / 82
الثاني أن الرافضة يدّعون أن عليا ﵁ طلق الدنيا وأنه لا مال له، كان يلبس القصير ويأكل الشعير. والآية فيها ذكر الزكاة، والزكاة لا تكون إلا ممن له مال. فتنافيا.
الثالث أن الله مدح الخاشع في الصلاة. وكون إنسان يشغل جوارحه في الصلاة بنزع خاتم وإشارة إلى سائل وقذفه إليه ويشغل قلبه بنية الزكاة ليس من الخشوع. وحاشا أمير المؤمنين من مثل ذلك، إذ هو بحر علم لا يدرك قعره.
الرابع أن الزكاة تطلق على صدقة الفرض ولا تكون إلا من الأنفع للمستحق. وأي نفع في قطعة فضة يجوز عليها احتمال الجهالة في القدر والغش في الجنس عن مال مضروب معلوم خالص. وهل نسبة مثل هذا إلى عالم زمانه إلا سفه من الرافضة.
الخامس أن الله تعالى وصف الحزب الذي يتولاه هذا الإمام بأن يكون
1 / 83