فلم يكن الحكم بهذا بمجرد وجود الرائحة بل استدل بهذا الأثر وهو (الرائحة) على وجود المؤثر وهو (الشرب) فاعترف ابنه بالشرب وزعم أنه (الطلاء) والطلاء مسكر فحده عمر ﵁ لأنه شرب المسكر.
فتبين إذا من مناقشة هذا الأثر رواية ودراية أنه لا حجة فيه لابن القيم رحمه الله تعالى لإقامة الحد بوجود الرائحة والله أعلم.
ب- مناقشة الاستدلال بحكم ابن مسعود ﵁.
أما حكم ابن مسعود ﵁ (وهو أنه وجد من الرجل ريح الخمر. فقال له: أتجمع أن تكذب بكتاب الله وتشرب الخمر. فضربه الحد) . فما أجله من
إسناد وأصحه ويكفي أنه من رواية الشيخين البخاري ومسلم. لكن دلالته على وجوب الحكم بمجرد الرائحة غير مسلم بها لأمرين هما:
١- حمل هذا الحكم على أن الرجل اعترف بشرب الخمر بلا عذر كما قرره النووي فقال (١):
(هذا محمول على أن الرجل اعترف بشرب الخمر بلا عذر وإلا فلا يجب الحد بمجرد ريحها لاحتمال الاشباه والنسيان والإكراه وغير ذلك هذا مذهبنا ومذهب آخرين) .
وهذا جواب مسلم به. ومع الاحتمال يسقط الاستدلال.
وقال الحافظ ابن حجر في معرض مناقشته لدلالة هذا الأثر (٢):
(وللمانع أن يقول: إذا احتمل أن يكون أقر سقط الاستدلال بذلك) .
فهذا الأثر ليس نصًا في أن موجب الحد وجود الرائحة مجردة بل يحتمل وجود اعتراف بالشرب فلا يتم الاستدلال به إذا والله أعلم.
(١) انظر: شرح مسلم ٦/٨٨.
(٢) انظر: فتح الباري ٩/ ٥٠