كان علي أن أفكر في الأمر. وفي الوقت الذي كنت قد شربت فيه ما يقرب من نصف الكوب، بدأت أدرك ما علي فعله. في المقام الأول، هيلدا لم تكن مريضة، لا للغاية ولا غيره. كنت أعلم ذلك، فقد كانت في صحة ممتازة عندما غادرت، ولم نكن في ذلك الوقت من العام الذي يصاب فيه الناس بالإنفلونزا أو أي شيء من هذا القبيل. لقد كانت تتصنع. لماذا؟
بالطبع كانت هذه إحدى حيلها، وقد رأيت ما كان عليه الأمر. لقد أدركت بشكل أو بآخر - ثق في هيلدا! - أنني لم أكن في الواقع في برمنجهام، وكانت هذه هي ببساطة طريقتها في جلبي للمنزل؛ فلم تعد تحتمل أن تفكر في أنني مع امرأة أخرى، لأنها بالطبع كانت متأكدة من أنني مع امرأة ما، فلا يمكنها أن تتخيل أي دوافع أخرى. وبالطبع افترضت أنني سأذهب مسرعا إلى المنزل في أقرب وقت ممكن عندما أسمع أنها كانت مريضة.
ولكن هنا يكمن خطأ توقعك، قلت ذلك لنفسي عندما أنهيت كوب الجعة؛ فأنا أذكى من أن أخدع بتلك الطريقة. لقد تذكرت الحيل التي افتعلتها من قبل، والمصاعب غير العادية التي ستتكبدها للإيقاع بي. أنا أعرفها جيدا، فعندما أكون في إحدى الرحلات التي تشك فيها، فإنها تتحقق بالكامل من جدول مواعيد القطارات وخريطة الطريق؛ فقط لترى ما إذا كنت أقول الحقيقة حول تحركاتي. وفي مرة تبعتني طوال الطريق إلى كولتشيستر، ثم دخلت علي الغرفة فجأة في فندق تيمبرانس. وفي ذلك الوقت، لسوء الحظ، تصادف أنها كانت محقة، في الواقع لم تكن كذلك، ولكن ثمة ظروف جعلت الأمر يبدو كما لو كانت على حق. لم يكن لدي أدنى تصديق لمسألة مرضها. في الواقع، كنت أعلم أنها ليست مريضة، على الرغم من أنني لم يكن يمكنني أن أبرهن لك على تأكدي.
تناولت كوبا آخر، وبدت الأمور أفضل حالا. بالطبع كان سيقع بيننا شجار عندما أرجع إلى المنزل، ولكنه كان سيقع على أي حال. اعتقدت أنه كان متبقيا لي ثلاثة أيام يمكنني أن أستمتع بها. الغريب أنه على الرغم من أن الأشياء التي جئت باحثا عنها لم تعد موجودة، فقد راقت لي فكرة الاستمتاع بالإجازة أكثر؛ فالابتعاد عن المنزل كان هو الشيء الرائع، حيث السلام والسكينة التامة مع بعد الأحباء، كما تقول الترنيمة. وفجأة، قررت أن أرافق امرأة إن راق لي الأمر؛ فالفضل يرجع لهيلدا في هذا التفكير المنحرف، بالإضافة إلى ذلك، فأين الشعور بأن أحدا يشك فيك إن لم تكن موضع شك بالفعل؟
ولكن عندما أثر الكوب الثاني علي، بدأت أستمتع بالأمر. لم أغرم بالفكرة، ولكنها كانت بارعة للغاية؛ فكيف لها أن فكرت في إرسال نداء استغاثة؟! أنا عن نفسي لا أعرف إجراءات إرساله؛ هل على المرء إحضار شهادة من طبيب، أم أن كل ما عليك فعله هو أن ترسل اسمك؟ كنت متأكدا تماما من أن السيدة ويلر هي صاحبة الفكرة؛ إذ بدا لي أن الأمر به لمسة ويلر.
ولكن يا لمكرها! عجبا للنساء، يذهبن إلى أقصى الحدود! أحيانا لا يمكنك تجنب الشعور بإعجاب ما لهن.
6
بعد الإفطار، تجولت بالخارج ثم ذهبت إلى السوق. كان صباحا لطيفا، به بعض البرودة والهدوء، مع ضوء أصفر خافت كنبيذ أبيض يغطي على كل شيء. وكانت رائحة الصباح المنعشة مختلطة برائحة سيجاري. ولكن كانت ثمة ضوضاء نابعة من تحليق الطائرات خلف المنازل، وفجأة كان أسطول من قاذفات القنابل السوداء الكبيرة يقترب بأزيزه. نظرت إليها بالأعلى، فبدا أنها ستلقي بقنابلها فوق رءوسنا.
وفي اللحظة التالية، سمعت صوتا. وفي الوقت نفسه، إن صادف وكنت هناك، لكنت قد رأيت مثالا مثيرا للاهتمام لما أعتقد أنه يسمى بالانعكاس الشرطي؛ لأن ما سمعته - وما لم يحتمل مجالا للخطأ - كان صوت صفير إحدى القنابل. لم أكن قد سمعت شيئا كهذا منذ عشرين سنة، ولكنني لست بحاجة إلى من يخبرني بما هو. ودون أن أستغرق وقتا في التفكير، فعلت ما يجب فعله؛ فقد انبطحت على وجهي.
ولكني سعيد أنك لم ترني؛ فلا أظن أن شكلي كان محترما، حيث تمددت على الرصيف كالجرذ عندما ينضغط مارا أسفل أحد الأبواب. لم يتخذ أي أحد آخر رد فعل بهذه السرعة؛ بينما تصرفت بسرعة شديدة حتى إنني في شطر من الثانية، عندما كانت القنبلة تهبط بصوت صفيرها، كان لدي الوقت للخوف من أن الأمر برمته قد يكون خطأ وأنني قد وضعت نفسي في هذا الموقف بلا داع.
Bilinmeyen sayfa