وصمتا. وساءلت نفسها: كيف تنتهي هذه الجلسة التي لا تحتمل. واستدعيت للتليفون، فقامت وهي تتنهد في ارتياح. وجعل يراقبها من بعيد وهي تتكلم.
ورآها تعيد السماعة في عجلة ولهوجة. شيء وقع؛ شيء ذو خطورة، أخطر مما يتصور؛ بصرها زائغ ونظراتها جنونية، إنها تبتعد ناسية تماما حقيبتها، وتناول الحقيبة وهرول نحوها، وما كاد ينطق باسمها، حتى صرخت في وجهه: أنت .. أنت .. أنت المجرم!
وجرت نحو سيارتها كالمجنونة.
29
استسلمت فتنة للكرسي المعدني محمرة العينين، رقد مرزوق فوق سريره بالمستشفى، غارق الرأس والوجه في الأربطة. وكانت قد أجريت له جراحة معقدة في الفك الأسفل والذقن والجبهة عقب الحادث مباشرة. وجلس في الاستراحة المتصلة بالغرفة إبراهيم وسنية وعليات. حتى أحمد رضوان زاره، ولما وجد الجو معاديا غادر المكان بسرعة.
ولما سئل مرزوق بعد مضي وقت مناسب، قال في التحقيق إنه كان يسير في شارع ابن أيوب في مطلع المساء، في ظلام شامل، وفي طريق خال، حين هاجمه شخص أو أكثر، وانهالت على وجهه اللكمات، حتى غاب عن وعيه تماما، ثم لم يسترده إلا في المستشفى. وتلقى السؤال التقليدي إن كان له أعداء، أو كان يتهم أحدا، فأجاب بالنفي، ولكن التحقيق جره إلى ذكر قصة حبه بملابساتها؛ مما استدعى سؤال أحمد رضوان، بل وعليات عبده. ولم يكن الشيخ يزيد بمصر، وأنكر أحمد رضوان أي علاقة بالحادث، وكذلك عليات، واستمرت المباحث في البحث، خلال جو كثيف الغموض.
وتركز القلق حول مسألة هامة شغلت عقول أهله وأحبابه، فتساءلت سنية: ترى إلى أي حد سيتغير وجهه؟
فقال إبراهيم عبده: على ذلك يتوقف مستقبله.
فعادت تقول: فتنة بكت بحرارة. - إنها تبكي عليه وعلى نفسها.
ومرت فترة الانتظار ثقيلة على القلوب المحبة. وغادر مرزوق المستشفى بوجه جديد! رغم ما قدم الطب من معجزات فقد خرج بوجه جديد. لم يكن القبح طابعه، ولكنه فقد شخصيته ومذاقه وروحه. كان ثمة تجويف صغير في جانب الجبهة، واعوجاج في الفك أضفى عليه قسوة من غير معدنه، وانحدار في الذقن إلى الخلف. وعندما رأى صورته في المرآة، نظر إليها طويلا في ذهول حتى امتلأت عيناه بالضباب، ثم تهاوى جذعه، فتقوس من اليأس وهتف: انتهيت!
Bilinmeyen sayfa