تسلقوا الضفاف الشمالية وصولا إلى مكان مغطى بالرمال المكشوفة التي من المفترض أن تضع فيها السلاحف بيضها. لكن الأوان كان مبكرا على ذلك، كما أن هذه القصة الخاصة ببيض السلاحف يرجع تاريخها إلى سنوات عديدة سابقة، ولم يرها أي من هؤلاء الصبية قط من قبل. لكنهم مع ذلك ركلوا الرمال وداسوا عليها؛ تحسبا لاكتشاف أي من هذا البيض. تلفتوا، بعد ذلك، حولهم بحثا عن المكان الذي عثر فيه أحدهم العام الماضي - برفقة صبي آخر - على جزء من هيكل عظمي لبقرة جرفه الفيضان من مخلفات أحد المجازر، فكان من المعتاد كل عام أن يجرف النهر عددا كبيرا من الأشياء المدهشة أو التافهة، العجيبة أو العادية، ويرسبها في مكان آخر. ومن الأمثلة على ذلك لفائف من الأسلاك، أو سلم نقال سليم، أو مجرفة منثنية، أو إناء صنع الفشار. وقد عثر الصبيان على عظم البقرة معلقا في أحد فروع شجرة سماق - الأمر الذي بدا ملائما؛ لأن كل هذه الأفرع اللينة بدت مشابهة لقرون الأبقار أو الغزلان، وكان لبعضها أطراف مخروطية صدئة اللون.
أخذوا يتجولون في المكان بعض الوقت، فأشار سيسي فيرنس إلى فرع الشجرة الذي عثر على العظم عليه بالضبط، لكنهم لم يعثروا على أي شيء.
كان سيسي فيرنس ورالف ديلر هما من اكتشفا العظم، وعند سؤالهما عن مكانه الآن، قال سيسي فيرنس: «لقد أخذه رالف معه.» علم الصبيان، اللذان كانا مع سيسي الآن - وهما جيمي بوكس وباد سولتر - السبب وراء صدق سيسي في حديثه، فما كان بوسعه اصطحاب أي شيء معه إلى المنزل، إلا إذا كان بحجم يسمح له بإخفائه من والده.
تبادلوا أطراف الحديث، بعد ذلك، عن الأشياء الأكثر نفعا التي يمكن العثور عليها أو عثر عليها بالفعل في السنوات الماضية؛ فألواح الأسياج الخشبية يمكن استخدامها في صنع الأطواف؛ وقطع الأخشاب المتناثرة يمكن جمعها لتصميم كوخ أو قارب، وإذا حالفك الحظ، فستعثر على بعض أشراك فئران المسك المفككة. يمكنك حينئذ بدء مشروعك الخاص؛ فيمكنك جمع ما يكفي من الأخشاب لصنع ألواح لشد الجلود، وسرقة السكاكين لنزع هذه الجلود من على الفئران. كذلك تحدث الصبية عن الاستيلاء على حظيرة فارغة يعرفونها في الزقاق المظلم الموجود خلف ما كان يستخدم في السابق كإسطبل للخيول. كانت تلك الحظيرة مغلقة بالقفل، لكن يمكن الدخول إليها عبر النافذة بعد إزالة الألواح الخشبية عنها في الليل ووضعها ثانية مع بزوغ الفجر. يمكن كذلك اصطحاب كشاف كهربائي لاستخدامه هناك. لا، ليس كشافا كهربائيا، وإنما قنديل. يمكن بذلك نزع الجلود عن فئران المسك، وشدها، وبيعها مقابل الكثير من المال.
عاش الصبية في تصور هذا المشروع كأنه واقع، لدرجة جعلتهم يبدءون في القلق بشأن ترك أي جلود ذات قيمة في الحظيرة طوال اليوم، وكان على أحدهم مراقبة المكان، بينما يخرج الآخرون للبحث عن الأشراك (لم يذكر أحد المدرسة).
هكذا كانت طبيعة حديث أولئك الصبية عند ابتعادهم عن البلدة؛ كانوا يتحدثون كما لو كانوا أفرادا مستقلين، أو شبه مستقلين، وكأنهم لا يذهبون إلى المدرسة، أو يعيشون مع أسرهم، أو يعانون من أي صور للمهانة والذل بسبب سنهم الصغيرة. كانوا يتحدثون كذلك كما لو كان الريف والمنشآت التي تخص أشخاصا آخرين ستوفر لهم ما يحتاجون إليه لتنفيذ مشروعاتهم ومغامراتهم، مع أقل قدر ممكن من المخاطرة والجهد من جانبهم.
من الملامح الأخرى للتغير في حديثهم خارج البلدة أنهم كانوا يتخلون جزئيا عن استخدام الأسماء؛ فلم يناد بعضهم بعضا بأسمائهم الحقيقية كثيرا على أي حال، ولا حتى بألقاب أسرهم، مثل باد. لكن كان لأغلب الأشخاص في المدرسة أسماء أخرى، ارتبط بعض هذه الأسماء بمظهر الشخص أو طريقة حديثه، مثل الجاحظ أو المتلعثم، والبعض الآخر - مثل مغتصب الدجاجات وذي المؤخرة المتقرحة - ارتبط بأحداث حقيقية أو متخيلة في حياة من تطلق عليهم هذه الأسماء، أو حياة إخوانهم أو آبائهم أو أعمامهم وأخوالهم، وتكون الأسماء في هذه الحالة قد تداولتها الألسنة على مدار عقود من الزمان. كانت هذه الأسماء هي التي يتخلون عنها عند خروجهم إلى الأحراش أو ضفاف النهر. وعند الحاجة للفت بعضهم نظر بعض، كانوا يصيحون: «يا صاح!» حتى استخدام الأسماء البذيئة والفاحشة التي من المفترض أنها لم تتردد إطلاقا على مسامع الكبار كان سيفسد تلك الحالة التي كانت تنتابهم في تلك الأوقات؛ حالة التسليم بمظهرهم، وعاداتهم، وأسرهم، وتاريخهم الشخصي بالكامل.
ومع ذلك، فقد كانوا لا يعتبرون أنفسهم أصدقاء، ولا يتخذ بعضهم من بعض أخلاء مقربين أو أخلاء مقربين بدلاء، أو يستبدلونهم كما تفعل الفتيات؛ فأي صبي من بين عشرة صبية على الأقل يمكن استبداله بأي من أولئك الثلاثة، ويتقبله الآخرون على النحو نفسه بالضبط. تراوحت أعمار هؤلاء الصبية بين التاسعة والثانية عشرة؛ أي أكبر من أن يقيدوا باللعب في الأفنية والأحياء السكنية، وأصغر من الاشتغال بأي وظيفة، بما في ذلك كنس الأرصفة أمام المتاجر أو توصيل طلبات البقالة بالدراجات. عاش أغلبهم في الطرف الشمالي من البلدة، ما عنى أنه كان من المتوقع اشتغالهم بهذا النوع من الوظائف بمجرد وصولهم إلى السن المناسبة، وعدم إرسالهم إلى كلية آبلبي أو كلية كندا العليا. ولم يعش أي منهم في كوخ، وما كان لهم أقرباء في السجن. كانت هناك اختلافات بارزة أيضا بين طبيعة حياتهم في المنزل وما هو متوقع منهم في الحياة، لكن هذه الاختلافات سرعان ما كانت تتلاشى بابتعادهم عن سجن المقاطعة وصومعة الغلال التي تعمل بالآلات، وأبراج الكنيسة، وأجراس ساعة قاعة المحكمة. •••
أسرع الصبية الثلاثة في خطاهم في طريق عودتهم إلى منازلهم، هرولوا، لكن دون ركض. لم يقفزوا، أو يتسكعوا، أو يرشوا المياه. لقد نسوا كل ذلك، وكذلك الأصوات التي كانوا يصدرونها من صياح وعواء. وأي شيء جرفته مياه الفيضان لاحظوه، لكنهم تجاوزوه دون اكتراث. لقد ساروا، في الواقع، كما يفعل الكبار، بسرعة ثابتة قليلا، وباتباع أكثر السبل عقلانية؛ فقد شغلهم أين سيذهبون وماذا ستكون خطوتهم التالية. كانت ثمة صورة تلوح أمام أعينهم وتحول بينهم وبين العالم؛ الأمر الذي يبدو عليه الكبار أغلب الوقت. إنها صورة البركة والسيارة والذراع واليد. فكروا أنهم عند وصولهم إلى بقعة معينة، سيبدءون في الصياح، سيدخلون البلدة وهم يصرخون معلنين عما لديهم من أنباء، وسيتسمر الجميع في أماكنهم ليستوعبوا ما حدث.
عبروا الجسر بطريقتهم المعتادة؛ على الرصيف الحديدي، لكن لم تراودهم أي مشاعر مخاطرة أو شجاعة أو عدم اكتراث، ولربما أيضا ساروا على الممشى.
Bilinmeyen sayfa