قال: «أعي ما تبذلين من جهد، أما بالنسبة إلي فالأمر يختلف؛ فهما أبواي وليس من عادتي أخذهما على محمل الجد.»
تربت بولين في عائلة تأخذ الأمور على محمل الجد؛ مما أدى إلى طلاق الأبوين. توفيت أمها منذ فترة، أما أبوها وأختاها - الأكبر سنا - فتجمعها بهم صلة ضعيفة وإن كانت صلة رحم. كانت تقول إنه لا يوجد شيء مشترك بينهم، إلا أنها كانت على دراية بأن براين لا يمكنه أن يفهم أن يكون ذلك سببا للبعد. ولقد لاحظت هذا العام كيف سعد بسير الأمور على ما يرام؛ وكانت ترى في الإجازات السابقة أن كسله أو عدم شجاعته يمنعانه من أن يتوقف عن هذا التقليد المكرر، لكنها الآن ترى أن السبب أكثر إيجابية بكثير؛ فلقد كان يريد أن يجمع زوجته وأبويه وطفلتيه ويجعلهم مترابطين معا؛ أراد أن يدخل بولين إلى حياته مع أبويه، ويدفع أبويه للتعرف عليها؛ مع أن معرفة أبيه بها متحفظة ومتناقضة، ومعرفة أمه سخية وسلسة. وكذلك أراد أن ترتبط بولين وطفلتاه بطفولته؛ أراد أن تكون هذه العطلات متصلة بالعطلات التي كان يقضيها في طفولته ما بين طقس سيئ وطقس بديع، ومشاكل ناتجة عن أعطال بالسيارة، ومخالفات مرورية، وذعر يتخلل الرحلات البحرية، ولدغات النحل، وماراثون ألعاب المونوبولي، إضافة إلى كل الأشياء التي كان يقول لأمه إن سماعها يضجره أيما ضجر. كان يريد أن تلتقط لهم صور هذا الصيف ثم توضع في ألبوم صور أمه، استكمالا لكل الصور التي كان يتأفف من مجرد ذكرها.
لم يستطيعا خلال الإجازة التحدث إلا في آخر الليل، حين يأويان إلى الفراش، لكنهما كانا يتحدثان حينها أكثر مما يتحدثان عادة في بيتهما؛ لأن براين في الغالب يكون مرهقا جدا فيغط في نومه على الفور. وفي أثناء النهار، يكون من الصعب في العادة التحدث إليه بسبب دعاباته المستمرة التي - كما رأت بولين - تضفي لمعانا على عينيه عندما يتلفظ بها (وكان يشبهها في لون الشعر الغامق والبشرة الشاحبة والعينين الرماديتين؛ غير أن عينيها غامقتان وعينيه فاتحتان، كماء صاف يجري فوق الصخور). كانت تلاحظه بينما يبحث بين الكلمات عن تورية لفظية أو بدء قافية - أو أي شيء يمكن أن يخرج به المحادثة إلى حيز العبث - وجسده بأكمله الطويل المرتخي، الذي لا يزال في نحافة المراهقين، يختلج بنزعة كوميدية. وقبل أن تتزوجه بولين، كانت لها صديقة تدعى جراسي؛ وكانت فتاة تبدو متجهمة تكره الرجال. وكان براين يراها في حاجة إلى رفع معنوياتها؛ ولهذا بذل معها أكثر من الجهد المعتاد، حتى إن جراسي قالت لبولين: «كيف تتحملين هذا العرض المستمر؟»
فردت بولين: «هذا ليس براين على حقيقته، فهو يختلف حين نكون بمفردنا.» لكنها حين تتذكر ما حدث، تتساءل هل كان ما قالته صحيحا؟ هل قالت هذا ببساطة كي تدافع عن خيارها كما يفعل المرء حين يعقد عزمه على الزواج؟
لذا كان الكلام معه في الظلام يتعلق بعدم رؤية وجهه، وبمعرفته أنها لا تستطيع النظر إلى وجهه.
ولكنه مع ذلك كان يضايقها قليلا حتى في ظلمة الليل - غير المألوفة لهما - وسكونه. كان يتحدث دوما عن جيفري واصفا إياه ب «السيد المخرج» ناطقا اللقب بالفرنسية؛ مما جعل المسرحية - أو كونها فرنسية - سخيفة إلى حد ما. أو ربما كان المقصود هو جيفري نفسه وجديته بشأن المسرحية.
أما عن بولين، فلم تبال بهذه المضايقات، بل كان من دواعي سرورها وارتياحها ذكر اسم جيفري.
وفي الغالب لم تكن تذكر اسمه، وإنما تدور حول متعة ذكره من بعيد. فكانت تصف الآخرين جميعا؛ مصففة الشعر، مرشد السفن، النادل، والرجل العجوز الذي ادعى أنه سجل في الإذاعة ممثلا ذات مرة. كان يؤدي في المسرحية دور والد أورفيوس، وكان أكثر من أتعب جيفري؛ لأنه صاحب آراء عنيدة حول التمثيل.
أما دور قائد الفرقة الموسيقية - السيد دولاك - الذي هو في منتصف العمر، فكان يلعبه وكيل سفريات في الرابعة والعشرين من عمره. ودور ماتياس - عشيق يوريديس السابق - يؤديه مدير متجر أحذية؛ متزوج وله أطفال.
تساءل براين لماذا لم يعط السيد المخرج كلا من هذين الرجلين دور الآخر.
Bilinmeyen sayfa