قالها بصوت غير مسموع، وانثنى عنقها تحت الثقل، حركة ذراعه وهو ينزح النفط تشبه حركة عنقها وهي تحمل البرميل، توقفت في مكانها كالحصان الجامح، ثبتت قدميها في الأرض، لكن التوقف بدا مستحيلا، كان النفط يتدفق وله شكل السائل، يمكن للأجسام الخفيفة أن تطفو عليه، إذا خف جسمها يمكنها السباحة، لكنها لم تتعلم كيف تطفو فوق الماء، قبل أن تنزل البحر كان عليها أن تخلع ملابسها، ولم يكن للنسوة أن يخلعن الملابس.
أغمضت عينيها دون أن تعرف الوقت، نظرت إلى الساعة في يدها وجفونها مغلقة، ثم تذكرت أنه لا يمكن أن تعرف الزمن دون أن تفتح عينيها، شدت جفونها فانفتحت نصف عين، كانت الساعة الخامسة وعشر دقائق، في الأفق شعاع خافت لم تعرف إن كان الفجر أو الغروب.
بدأت في النهوض من الفراش، قبل أن تتحرك أرادت أن تتأكد أن الرجل غارق في النوم، راحت تنقل القدم وراء القدم بلا صوت، انقلب الرجل على الجنب الآخر وغاب في النوم، تأملته طويلا، متكور حول نفسه مثل الطفل اليتيم، مستسلم للنوم فيما يشبه اليأس، ثنت جذعها إلى الأمام كأنما ستطبع فوق جبينه قبلة وداع. ماذا يقول عنها حين يصحو فلا يجدها؟ ضميرها لا يزال حيا أو هكذا تصورت، لن تسبب لها قبلة الوداع أي أذى على أي حال.
فتحت الباب وخرجت، تقدمت بضع خطوات وبدأت الأرض تلين، قدماها تغوصان حتى الركبتين ، نجحت في إخراج ساقها اليمنى ثم اليسرى، ثم عادت أدراجها تلهث.
كان الرجل جالسا مطرقا فيما يشبه الحزن، امتلأت عيناها بحنان له شكل الدموع. - حاولت الهرب لكني لا أستطيع الحركة.
ظل الرجل صامتا لا شيء فيه يتحرك. - لن أستطيع البقاء هنا!
تصلبت واقفة وصوتها اختنق، اكتسب صمت الرجل وإطراقة رأسه معنى مخيفا، هل ارتبط مصيرها بمصيره إلى الأبد؟
كانت الشمس قد ارتفعت في السماء، تلتهب أشعتها بلون أحمر، اشتعلت بعض أطراف البركة بالنار، تصاعد الدخان يحجب السماء وقرص الشمس، رفع رأسه وهو يفرك عينيه. - هذا الدخان نعمة من الله؛ فهو يخفف الحرارة.
لم يعد صوته يثير في جسدها موجات الغضب، ارتسم فوق وجهها تعبير يائس، كانت واقفة حافية القدمين، رأسها يتدلى فوق صدرها، عظام جسمها تهدلت في استسلام وحزام الحقيقة يتدلى فوق كتفها. - نعم، المقاومة لا معنى لها.
صوتها متهالك النبرة، تكاد لا تسمعه، ولم يكن للرجل أيضا أن يسمعها، كان مطرقا برأسه، وفي إطراقته شيء إنساني، عاطفة ما تربطها به، ليست هي الحب عن يقين.
Bilinmeyen sayfa