فجن جنون آدم لوكس، وذهب في كل مكان يلعن القضاة الذين حكموا عليها، ووضع رسالة في ذلك قال فيها:
ليست المقصلة عارا الآن؛ إذ قد صارت منذ 17 يوليو مذبحا قد غسل من كل دنس بهذا الدم البريء. أجل يا شارلوت المقدسة، اغفري لي إذ لم يبد مني في الساعة الأخيرة تلك الشجاعة، وتلك الوداعة، اللتان هما من صفاتك. إنه لمن مجدي أن أجدك تفضلينني؛ لأنه حق أن يفضل المعبود عابده.
وانتشرت هذه الرسالة بين الناس، وقبض على آدم لوكس، وقدم إلى المحاكمة، وكان كما قلنا ألمانيا، فكان القضاة على الرغم من أن موضوع الرسالة لا يعدو أن يكون شرحا لعسفهم وسبا فيهم، يميلون إلى تبرئته، على شرط أن يجحد ما قاله، وأن يعود إلى ألمانيا.
ولكن القضاة كانوا يجهلون الطور الذي بلغه آدم لوكس في حبه شارلوت؛ فقد كان حبه لها قد بلغ حد العبادة، حتى صار يخشع لذكراها، ويتأوه عندما تخطر بباله، فكانت في الحقيقة وسواسه وهمه؛ ولذلك ما كاد أن يسمع من القضاة اقتراحهم جحد ما قال في الرسالة، حتى انهمرت من فيه ألفاظ السباب، فأخذ يشتمهم ويحقرهم، ويمجد ذكر شارلوت تمجيد العابد لربه.
وحكم عليه بالإعدام، فأسفر عندئذ عن وجهه، وسار إلى المقصلة مستبشرا، واثقا أنه أدى ما عليه نحو شارلوت.
نابليون وماري فالفسكا
كانت هموم نابليون في الفتح والحروب، ومشاغله في مكايدة أمراء أوروبا وملوكها، وسوس رعاياه، تحول دون صرفه اهتمامه إلى الحب والغرام، فكان لا ينظر إلى المرأة إلا بمقدار ما فيها من المحاسن التي تلبي شهواته الدنيا، فكان يشتهي دون أن يحب. ولكن المرأة التي كان يشتهيها كانت تجد فيه من صفات الرجولة وسمات العظاميين والتفوق النادر والطموح الدائم إلى السيادة، ما كان يجعلها تتعلق به وتعشقه وتحبه حب التضحية. وقد عرف نابليون جملة نساء قل منهن من خنه، وكثر منهن من أخلصن له وعشن على ولائه.
ومن هؤلاء النساء مدام ماري فالفسكا، كانت فتاة بولندية في الثامنة عشرة من عمرها، وكانت غاية في الجمال، كأنها دمية إغريقية. وكان في عينيها حور ، وفي أهدابها طول يزيد قوة هذا الحور وأثره في نفس الناظر. وكانت تنتمي إلى أسرة فقيرة، ورآها أحد أشراف بولندا، وكان رجلا فانيا مسنا فأحبها حب العشق والوله، وتزوج بها.
وحدث أن دخل نابليون بولندا في سنة 1807 بعد أن هزم النمسا وقضى على جيوش ألمانيا. وكان البولنديون يتوسمون فيه المخلص لبلادهم، المعيد لهم استقلالهم من الأمم الثلاث التي اقتسمتها، وهي روسيا والنمسا وألمانيا، فقابلوه بمظاهر الحماسة والتهليل، وكانت عربته لا تدخل إلى بلدة من بلادهم، حتى كانت طاقات الزهر تغمرها وتنثر تحت أرجل خيولها. وكان قد تطوع في الجيش الفرنسي آلاف من البولنديين، الذين كانوا يرجون أن يحققوا استقلال بلادهم على يدي نابليون، وكان نابليون يعرف قيمة هذا الأمل في تقوية جيشه، فكان يمني البولنديين بالوعود الخلابة، ويعللهم بالأماني التي كان يعرف هو نفسه كذبها، وعدم إمكان تحقيقها.
فبينما كان نابليون في مدينة برونية، سائرا في عربته والهتاف يتعالى والنساء يزحمن الرجال، وعطر الزهور يعبق في الهواء، إذا بصوت حلو يقول: دعوني أمر حتى أراه ولو لحظة واحدة.
Bilinmeyen sayfa