فمن مل منها ذلك الوصل ملت»
قيس ولبنى
كان قيس بن ذريح من سكان بادية المدينة، وكان رضيع الحسين بن علي بن أبي طالب. وسبب علاقته بلبنى بنت الحباب أنه ذهب لبعض حاجاته، فمر بحيها وقد احتدم الحر، فاستسقى من إحدى الخيام، فبرزت إليه فتاة مديدة القامة بهية الطلعة عذبة الكلام، فناولته إداوة ماء، فلما روي وهم بالذهاب قالت له: ألا تبرد وترتاح عندنا؟ فأجابها، فمهدت له وطاء وقدمت إليه ما يحتاج إليه. وجاء أبوها، فلما وجده رحب به ونحر له جزورا، فأقام عندهم بياض اليوم، ثم انصرف وهو أشغف الناس بها، فجعل يكتم ذلك إلى أن طما به الحب، فعاد إلى زيارتها، وشكا إليها ما يجد من حبها، فوجد عندها أضعاف ذلك، فانصرف وهو في أشد الغبطة.
ومضى إلى أبيه، وبث إليه حاله. فقال له: دع هذه، وتزوج إحدى بنات عمك. فلجأ إلى أمه، فكان رأيها رأي أبيه، فذهب إلى الحسين بن علي، وأخبره بقصته واستنجد به. فرثى له، وتعهد أن يكفيه هذا الشأن، ومضى معه إلى أبي لبنى فسأله في ذلك، فأجابه بالطاعة وقال: يا ابن رسول الله، ولو أرسلت لكفيت، بيد أن هذا من أبيه أليق، كما هي عادات العرب.
وذهب الحسين إلى أبي قيس وحمله على تزويج ابنه من لبنى، وعاش المحبان معا نحو عشر سنوات، تبين منها أن لبنى عاقر. وكان والدا قيس يرغبان في نسله، فعرضا عليه تطليقها والتزوج من أخرى تأتيه بما يطمعان فيه من الولد، فامتنع امتناعا يؤذن باستحالة ذلك، وأخذ يدافعهما، إلى أن أقسم أبوه لا يكنه سقف أو يطلق قيس لبنى. وكان قيس شديد الحب للبنى، فكان إذا اشتد الهجير خرج إلى أبيه وأظله، واصطلى هو بالشمس، فإذا جاء الظل تركه ودخل إلى لبنى يبكي.
واطرد هذا الحال مدة، حتى قدر في النهاية أن يطلقها، فجاء أهلها وحملوها إليهم، وزوجوها من آخر. ولم يبق لقيس سوى الحسرة والندم والتفجع، فكان يؤلف القصائد يذكر حبه لها، وأيامه الماضية، وما لقي من فراقها، فمن ذلك قوله:
يقولون لبنى فتنة كنت قبلها
بخير فلا تندم عليها وطلق
فطاوعت أعدائي وعاصيت ناصحي
وأقررت عين الشامت المتملق
Bilinmeyen sayfa