صلى الله عليه وسلم : ادرءوا الحدود بالشبهات، ثم أمر به إلى السجن. فلما أصبح الصباح، لم يبق أحد من أهل البصرة لا ذكر ولا أنثى إلا حضر ليرى عقوبة ذلك الفتى. وركب خالد ومعه وجوه وأعيان أهل البصرة وغيرهم، ثم دعا بالقضاة وأمر بإحضار الفتى، فأقبل يحجل في قيوده ولم يبق أحد من الناس من رجال ونساء إلا بكى عليه، وارتفعت أصوات النساء بالبكاء والنحيب. فأمر خالد بتسكين الناس، فإنها كادت أن تكون فتنة. ثم قال له خالد: إن هؤلاء القوم يزعمون أنك دخلت دارهم وسرقت مالهم، فما تقول؟ قال: صدقوا أيها الأمير، دخلت دارهم وسرقت مالهم. قال خالد: لعلك سرقت دون النصاب، فقال: بل سرقت نصابا كاملا. قال فلعلك سرقته من غير حرز مثله. قال: بل من حرز مثله. قال: فلعلك شريك القوم في شيء منه. قال: بل هو جميعه لهم لا حق لي فيه. فغضب خالد وقام إليه بنفسه، وضربه على وجهه بالسوط وقال متمثلا بهذا البيت:
يريد المرء أن يعطى مناه
ويأبى الله إلا ما أرادا
ثم دعا بالجلاد ليقطع يده، فحضر وأخرج السكين، ومد يده ووضع عليها السكين، فبادرت جارية من صف النساء عليها آثار وسخ، فصرخت ورمت بنفسها على الغلام، ثم أسفرت عن وجه كأنه البدر، وارتفع للناس ضجة عظيمة كاد أن تقع منها فتنة، ثم نادت بأعلى صوتها: ناشدتك الله أيها الأمير لا تعجل بالقطع حتى تقرأ هذه الرقعة. ثم دفعت إليه رقعة ففضها خالد، فإذا هي مكتوب فيها هذه الأبيات:
أخالد هذا مستهام متيم
رمته لحاظي من قسي الحمالق
فأصماه سهم اللحظ مني فقلبه
حليف الجوى من دائه غير فائق
أقر بما لم يقترفه لأنه
رأى ذاك خيرا من هتيكة عاشق
Bilinmeyen sayfa