قلت لنفسي: يا للولد المسكين! .. ليس غيره بأفضل منه، وكدت أنفض يدي من هذا التطفل الجريء، لكني لم أستطع، لم أجد أن ذلك يليق بي .. لا بد أن يخرج هذا السر العظيم، الذي تعطيني الحياة إياه أو يعطينيه الموت ...»
والصورة دقيقة مرسومة بعناية. جمع الشاعر في ملامحها كل الخطوط والألوان التي يرسم بها القدر وجه الطفل، فيصبح أسطورة يتغنى بها الشاعر في أناشيده. إن الأم تريد أن تنشر الغطاء على الطفل، تريد أن تحميه من وهج النور، لكن الطفل نفسه جزء من هذا النور؛ ولذلك فلا بد أن يحاول لقاءه، ولا بد أن يحييه ويبتسم له مهما آذى عينيه.
لنتجه الآن إلى طفولة هلدرلين وصباه. وسيدهشنا كل هذا النقاء، كل هذه البراءة التي ستحدد موقفه من الوجود، وتطبع تجربته المؤمنة الورعة الفياضة بالطاعة والاستسلام. ها هي ذي أبيات من قصيدة كتبها في السادسة عشرة من عمره، وكان يجلس مع صديق له يدعى كارل على شاطئ نهر «النيكار» ويعاين القداسة الماثلة في الطبيعة ويحس رجفتها في صدره:
يا كارل الطيب .. في تلك الأيام الجميلة
كنت أجلس معك على شاطئ النيكار.
كنا نشعر بالفرح ونحن نرى الموجة تلطم الشاطئ،
ونحفر الجداول في الرمال.
ثم وقفت أخيرا. كان النهر يجري
في بريق المساء .. إحساس مقدس
سرت رجفته في قلبي، وفجأة عزفت عن المزاح،
Bilinmeyen sayfa