تمنى الشاعر أن يوفق إلى هذا الغناء الخفيف؛ الغناء المتحرر من ثقل قدره وظلام وجدانه. أراد أن يكون الشعر «عيد الكلمة»، أن يكون مرآة فرحته النقية العالية التي لا تعكرها قتامة قدره في الحب والحياة. وأراد أيضا أن يصل إلى هذه الفرحة نفسها، إلى هذه الخفة المطلقة، إذ كان الإحساس المطمئن في رأيه هو الإحساس المرح، وكانت خطوة الشجاع «الذي لا يخاف» تسير فوق «جسور خفيفة».
ولكنه لم يوفق إلى شيء من هذا. كان اليأس أكبر منه. ولعلنا نحمد الآن لهذا اليأس أن ألهمه أنضج شعره وأحفله بالمعاني والأسرار. ولم يكن هذا اليأس مجرد كآبة عبر عنها في شعره أو نفس بها عن كربه [فنحن نظلم الشعر والفن بوجه عام لو قصرناه على هذه المهمة!] بل كان قدرا مظلما مميتا صحب الشاعر في كل حياته وشعره. ونحن نظلم الشاعر أيضا لو حاولنا أن نفسر هذا القدر تفسيرا نفسيا أو مرضيا. فالعبارة التي أوردناها تبين كيف اتحد الشعر بالشاعر فلم يستطع أن ينفصل عنه، وكيف اتحد الشاعر بالشعر فلم يكتبه، بل عاشه وكانه، وخضع له وفني فيه فناء العبد في معبوده. لنستمع إليه وهو يتحدث إلى قوى السماء في ختام أغنيته الجميلة «عند منبع الدانوب»:
أنت أيتها الأرواح الطيبة، أنت أيضا موجودة هناك،
11
غالبا، عندما ترف السحابة المقدسة فوق إنسان
يصيبنا الذهول ولا ندري كيف نفسر معناها.
أما أنتم فتمزجون
12
أنفاسنا بالنكتار
13
Bilinmeyen sayfa