History of Literary Criticism Among the Arabs
تاريخ النقد الأدبي عند العرب
Yayıncı
دار الثقافة
Baskı Numarası
الرابعة
Yayın Yılı
١٩٨٣
Yayın Yeri
بيروت - لبنان
Türler
خضوعه لروح العصر
غير أن هذه الصلة بين المبرد والشعر المحدث لا تتجاوز مجال العطف، ويحس من يقرأ المبرد أنه كان مغلوبًا بروح العصر منساقًا بقوتها، وأنه لم يعتمد ذوقًا متميزًا في الاختيار، وإنما كان يتستر وراء الموضوع (١)، فما استدعاه الموضوع من شعر لشاعر قديم أو محدث أورده؛ غير أنه صريح في موقفه التوفيقي إذ يقول: " وليس لقدم العهد يفضل القائل، ولا لحدثان عهد يهتضم المصيب، ولكن يعطي كل ما يستحق " (٢) . وقد حاول المبرد أن يطبق هذا المبدأ، سواء أكان نابعًا من أعماقه أم كان أثرًا من أثر تلك الموجة السائدة؛ ولابد أن نعذر المبرد إذا هو مال - لا شعوريًا - نحو القديم، لأنه صلب ثقافة نحوي لغوي من طرازه.
محاولته الكشف عن سرقات الشعراء
وقد كاد المبرد في اختياره لاشعار المحدثين يلبي حاجة العصر أيضًا، يقول في الكامل: " هذه أشعار اخترناها من أشعار المولدين حكيمة مستحسنة يحتاج إليها للتمثل - لأنها أشكل بالدهر - ويستعار من ألفاظها في المخاطبات والخطب والكتب " (٣)، فهو يهدف إلى غاية عملية، يهدف إلى أن يخدم طبقة المتعلمين وخاصة من يهيئون أنفسهم لمستوى بلاغي من فئة الكتاب، وتجاوز المبرد مرحلة هذا الاختيار، ودل على أن الصولي كان مغاليًا حين وصفه بأنه لا يعرف " استراقات الشعراء " فأخذ يدل على المعاني المسروقة، لا بين الشعر والشعر وحسب، بل بين الشعر والنثر، فقول أبي العتاهية:
يا عجبًا للناس لو فكروا ... وحاسبوا أنفسهم ابصروا
(١) هذا الذي نقوله هنا عن انقياد المبرد لروح العصر في الإقبال على شعر المحدثين قد لمحه أبن عبد ربه في القديم فقال متحدثًا عن كتاب الروضة: فلم يختر لكل شاعر إلا أبرد ما وجد له؟ الخ (العقد ٣: ٢٦٨) . (٢) الكامل ١: ٢٩. (٣) الكامل ٢: ١.
1 / 91