History of Literary Criticism Among the Arabs
تاريخ النقد الأدبي عند العرب
Yayıncı
دار الثقافة
Baskı Numarası
الرابعة
Yayın Yılı
١٩٨٣
Yayın Yeri
بيروت - لبنان
Türler
تيار الشعر. فلم يستطيع أن يخلق مسوغًا لهذا الانكسار كما فعل ابن طباطبا. وإنما حاول أن يجبر ذلك الانكسار بالعودة إلى القاعدة الفلسفية التي ترى وراء التكثر وحدة. ووراء التغير نواة ثابتة، أي أراد قدامة ان يرسم حدودًا لتلك النواة الثابتة، ولابد أن يحس من يقرأ " نقد الشعر " أن مؤلفه ضيق الصدر بالشعر المحدث، لا لان الإقرار به ينقض عليه نظريته بل لأنه يطلب إليه أن يثبت ان التغير الحادث فيه ليس إلا شيئًا عارضًا ظاهريًا. وان وضع معيار ثابت للشعر عامة هو مهمة الناقد. ويجب أن نتذكر أن ابن طباطبا ذو صلة بالفكر الكلامي، وأن قدامة ذو صلة بالفكر الفلسفي اليوناني، فإذا قرن ابن طباطبا الصدق بالشعر ذهب قدامة إلى النقيض، فتحدث عن كذب الشعر لان كلمة " كذب " كانت تطلق في عصره على ما أصبح يعبر عنه بلفظ " تخييل " من بعد، ويبدو أن المتأثرين بالفكر الكلامي مثل ابن طباطبا وعبد القاهر تشبثوا بالصدق وأن الذين تأثروا بالفكر الفلسفي وجدوا في لفظتي " الكذب " و" التخييل " مترادفين. وهو عكس ما قاله حازم القرطاجني من بعد حين اتهم المتكلمين بأنهم هم الذين نسوا الكذب إلى الشعر ليرفعوا القرآن فوقه ويميزوه عنه، وهذه مشكلة سنفردها بالحديث أيضًا.
وحين كان الإحساس بالتطور يتصل بأثر فكري - كلامي فلسفي - كان النقد ينال حظًا غير قليل من العمق، لأن ذلك الأثر الفكري كان دائمًا كفيلًا بتنظيم الإحساس وتوجيهه في منهج متميز المعالم، فأما مجرد الإحساس وحده فإنه كان يجعل النقد عند أذكى النقاد التماعات ذهنية أو لمحات سريعة، ومن ابرز الأمثلة على ذلك نقاد الأندلس، وهي بيئة كانت - في الغالب - تنفر من الكلام مثلما تنفر من الفلسفة؛ ولا ينكر أن ابن شهيد مثلًا ناقد ذكي أدرك معنى التطور في طبيعة الصناعة الشعرية وأقره (وإن التفت كثيرًا إلى نماذج ثابتة القيمة) كما أحس بان الأزمة في الشعر نفسه إنما تنجم عن الصراع بين الروح والجسد، فإذا تغلبت الروح جاء الشعر
1 / 14