والعاجز عن الجهاد بنفسه يجب عليه الجهاد بماله في أصح قولي العلماء، وهو إحدى الروايتين عن أحمد، فإن الله أمر بالجهاد بالمال والنفس في غير موضع من القرآن، وقد قال الله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦] .
وقال النبي ﷺ: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم". أخرجاه في الصحيحين١. فمن عجز عن الجهاد بالبدن لم يسقط عنه الجهاد بالمال، كما أن من عجز عن الجهاد بالمال لم يسقط عنه الجهاد بالبدن، ومن أوجب على المعضوب أن يخرج من ماله ما يحج به الغير عنه وأوجب الحج على المستطيع بماله فقوله ظاهر التناقض.
ومن ذلك إذا كان الناس محتاجين إلى من يطحن لهم ومن يخبز لهم لعجزهم عن الطحن والخبز في البيوت، كما كان أهل المدينة على عهد رسول الله ﷺ فإنه لم يكن عندهم من يطحن ويخبز بكراء ولا من يبيع طحينًا، ولا خبزًا، بل كانوا يشترون الحب ويطحنونه ويخبزونه في بيوتهم، فلم يكونوا يحتاجون إلى التسعير، وكان من قدم بالحب باعه فيشتريه الناس من الجالبين، ولهذا قال النبي ﷺ: "الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون" ٢.
وقال: "لا يحتكر إلا خاطئ". رواه مسلم في صحيحه٣.
وما يروى عن النبي ﷺ: "أنه نهى عن قفيز الطحان". فحديث ضعيف، بل باطل، فإن المدينة لم يكن فيها طحان ولا خباز، لعدم حاجتهم إلى ذلك، كما أن المسلمين لما فتحوا البلاد كان الفلاحون كلهم كفارًا؛ لأن المسلمين كانوا مشتغلين بالجهاد.
ولهذا لما فتح النبي ﷺ خيبر أعطاها لليهود يعملونها فلاحة، لعجز الصحابة عن فلاحتها؛ لأن ذلك يحتاج إلى سكناها، وكان الذين فتحوها أهل بيعة الرضوان الذين بايعوا تحت الشجرة، وكانوا نحو ألف وأربعمائة، وانضم إليهم أهل سفينة جعفر، فهؤلاء هم الذين قسم النبي ﷺ بينهم أرض خيبر، فلو
_________
١ الحديث عن أبي هريرة روى نحوه البخاري في صحيحه "١٣/ ٢٥١"، ومسلم في صحيحه "١٥/ ١١٨"، "٩/ ١١٠"، والنسائي في سننه "٥/ ١١٠". وابن ماجه في سننه:١/ ٣".
٢ رواه ابن ماجه في سننه "٢/ ٧٢٨" والدارمي في سننه "٢/ ١٦٤"؛ والحديث في سنده علي بن جدعان وهو ضعيف.
٣ سبق تخريجه.
1 / 30