Yeşil At Asfalt Sokaklarda Ölüyor
الحصان الأخضر يموت على شوارع الأسفلت
Türler
في القرية يتنافس الرجال على دعوتنا، من البيوت تخرج فتيات يحملن فوق رءوسهن صواني نحاسية كبيرة. أتذكر مأتم أمي والصواني التي تأتي من الجيران. يحيط بنا رجل قصير، ميال للسمنة، في جلباب نظيف، تنضح الطيبة من وجهه الأبيض المستدير. يلتف حولنا أولاده بعد أن أقنعوا بقية الرجال. ندخل من باب واطئ ونمر في ممشى طويل إلى المنظرة المفتوحة، بعد قليل يدخل ابنان لم نرهما من قبل، يسلمان ويجلسان. يأتي صبي يحمل إبريقا وطستا، وننهض واحدا بعد الآخر ونغتسل. البقية في حياتكم، عظم الله أجركم، سعيكم مشكور. نلجأ لصخرة الإيمان ونقلب أعيننا في البحر المظلم بحثا عن شاطئ، تسرع أيدينا للأحجار المحفورة بالآيات المحفوظة ونلقيها فيه. تحضر أكواب الشاي فتمتد الأيدي ويدفأ الجوف وتنبت أشجار الحكمة. يبدأ شاب يجلس أمامي في سرد حكاية، وظل ابتسامة يتمدد على شفتيه ووجهه الناعم المريح. كلف ملاك الموت أن يقبض روح امرأة في الصحراء، ذهب إليها فوجدها ترضع طفلها، عز عليه أن يحرم الوليد من أمه، رجع واستعطف وبكى، هبط عليه الصوت الآمر أن يقبض روح الأم. فعل ونفذ قضاء الله؛ هل تدرون مصير الطفل؟ ربك لا ينسى أحدا؛ مرت قافلة كانت تعبر مصادفة، أخذوا الطفل وربوه، ويمر الزمن فيكبر هذا الطفل ويصبح ملكا، ويمر ملاك الموت فيعجب حين يراه على العرش، ويناجي الرب ويستغفره ويقر بذنبه، سبحانه جل وعلا، له حكمة خافية، لا يعرف أحد أين الخير وأين الشر. «لله الملك»، «وما تدري نفس»، «ولو كنتم في بروج مشيدة»، «سعيكم مشكور»، «لله الأمر». يحكي رب البيت عما رآه بنفسه عندما كان في زيارة طنطا، كان الأب العجوز قد اشتد عليه المرض وجاوز الثمانين، رقد على الفراش وطلب الكفن بنفسه، أحضره الابن كما أمر، وانتظر أسبوعا فأسبوعا، والعجوز يقاوم الموت كأنه زكام خفيف؛ هل تدرون ماذا حدث؟ يسقط الابن فجأة بالسكتة القلبية، ويلفونه في الكفن الذي اشتراه بنفسه. والأب؟ لا يزال الأب يعيش. لله الأمر، حكمته تخفى عنا، هل نملك إلا التسليم وطلب الستر؟ ويأتي الطعام على صينية صفراء كبيرة، ويقوم حوار: هل نجلس على الأرض أم نوضع على المائدة. نجلس على الأرض فوق الشلت والمخدات، يقول أحدنا: مرجعنا للأرض. نأكل ونشبع ويصب الماء على أيدينا، ونعود للجلوس على الكنب البلدي. ألمح جاري يخرج منديله ويجفف عينه، يتبعه شاب آخر. تمتد الأيدي فتربت الظهور والسيقان. أتذكر أوديسيوس ورفاقه الذين نجوا من كهف الوحش ذي العين الواحدة، بعد أن تجمعوا في سفينتهم وأكلوا وشبعوا، تذكروا رفاقهم الذين التهمهم الوحش فبكوا. أتذكر يوم تكلمنا عن الواقعية وتكلمنا عن هوميروس، أذكر عينيك الواسعتين الطيبتين، أخجل من هذا الصلح مع الموت، أغرق في الصمت، أتذكر نفسي ممدودا في مقبرة القرية. يربت جاري ساقي وينبهني أن قد أزف الوقت. أنهض وأسلم.
يفلت لسان أحدنا وهو يصافح صاحب البيت: فرصة سعيدة. تنغرز الشوكة في قلبي. نخرج من البيت ونتجه إلى العربات. أمد عيني إلى الساحة البعيدة، وأقول لنفسي: سقط الرجل الجاد.
في طريق العودة يسرع السائق قبل حلول الليل؛ العربة ترتج في المطبات، والشمس تابوت ذهبي ينحدر رويدا رويدا في حفرته السوداء. ندخن ونكرر ما قلناه ونفكر فيما سنفعل، ونستحضر صور الماضي القريب، ونكثر دون أن نشعر من استخدام فعل كان. يتكلم نبيل عن قدرته على التنبؤ، عن سهرته معه حتى وقت متأخر، أكثر مما فعل في أي ليلة سابقة، عن تأكيده بأنه سيموت في هذا العام، عن مداعبته لابنه كما لم يحدث من قبل، عن حرصه في الأيام الأخيرة على زيارة الأصدقاء والاطمئنان على المرضى، عن ضحكاته المجلجلة التي توقفها كالعادة كف توضع على الفم. ونتحدث عن الرسالة التي أداها، عن الأعمال التي أتمها ولم تر النور، عن مشروعاته ومسوداته، قراءاته وتجاربه، عن تجاهل النقاد وصمت الدارسين، عن جدوى كلمة صدق تسقط في بحر الزيف، عن عمر ضاع وراء البحث عن المجهول، عن صوت لم يسمعه الشعب.
توصلني العربة إلى البيت الذي أسكنه. نسلم ونتعانق ونفترق على موعد. أصعد السلم وأنظر إلى حذائي المعفر بتراب المقبرة، أفكر في التراب الذي سأكونه وأحذية المشيعين التي ستعفر به. يلتفت القلب إلى الحديقة الساكنة التي زرعنا فيها جسد الصديق. أفتح الباب وأقف عند الكرسي الذي جلس عليه آخر مرة، والجهاز الذي وضع عليه الأسطوانات، والكتب التي قلب فيها. أتسمع أصداء صوته، وأرى أمامي ملامح وجهه، وأصابع يديه والشعر الذي يكسوها، وتحدق في عيناه الواسعتان المتألمتان فأجفل، يتردد صوته في أذني وهو يسألني آخر مرة عما يشغلني، فأقول: تشغلني اللحظة. يدهشه قولي فأحدثه عن سر اللحظة؛ كيف تصورها الأسطورة في صورة رب شاب يهبط من جبل الأوليمب، يحمل سكينا في يمناه، وفي قدميه جناحان، من جبهته تتدلى خصلة شعر ذهبية، ومؤخرة الرأس صلعاء. من يلق اللحظة فليتقدم وليمسكها من خصلات الشعر، فلو فاتته فلن يقدر أن يمسكها أبدا، لو عبرت لن ترجع أبدا. تعجبه الصورة، يصمت، يضحك فأقول: انتهز اللحظة؛ إن جاءت لا تتردد، اكتب اكتب، لا تتركها تفلت منك فتندم، هذا ما أقول لنفسي. يستطرد: ولي أيضا. فأعترض قائلا: أنت أطعت اللحظة، عشت حياتك لحظة صدق، عشت بعمق . يسألني: وأنت؟ فأقول: لو كنت فعلت لما فكرت؛ فالفكر عدو الفعل، والعلم عدو الفن. يضحك، يتمنى لي أن أكتب قصة، فأقول: ستجيء اللحظة. أقول لنفسي وأنا أعبر الصالة وأقف في الطرقة: ليتك عشت وما جاءت هذه اللحظة. يفجؤني صوت الهاتف في الليل، أسمع صوت صديق يسأل: هل علمت؟ أقول: البقية في حياتك. يتهدج صوته: لا أستطيع أن أصدق، إنني أرتجف، أرتجف. هذه هي الكلمة المناسبة، ترتفع الموجة ويجيش الطوفان. أدفن رأسي بين يدي: رب، لم تركته؟ لم تركتنا؟ (1977م)
Bilinmeyen sayfa