Yeşil At Asfalt Sokaklarda Ölüyor

Abdülgaffar Mekkavi d. 1434 AH
64

Yeşil At Asfalt Sokaklarda Ölüyor

الحصان الأخضر يموت على شوارع الأسفلت

Türler

في قريتك الصغيرة كنت تحب دائما أن تسير بين القبور الصغيرة الفقيرة المستسلمة، كانت قبورا متواضعة أشد تواضعا من ساكنيها؛ طلاؤها متآكل، أطرافها مهدمة، معظمها مفتوح في جانب منه؛ فتحته الذئاب أو النيابة أو لصوص الجثث ، عليها شجرة صبار على أحسن الفروض، وفوقها كتابة بخط رديء لم يتجاوز صاحبه كتاب الشيخ: الاسم وتاريخ الوفاة - فتاريخ الميلاد دائما منسي - واقرأ له الفاتحة.

كانت تسليتك أن تمر بينها وتقرأ الكتابات المنقوشة عليها كنبش الفراخ، وتنقل أبيات الشعر السخيفة التي تعثر عليها، وتملأ عينيك وصدرك برائحة الرطوبة والعفونة والزمن والتراب والمسكنة، وتتصور جسدك ممددا في واحد منها، على تلة مرتفعة قليلا عن الأرض، فوق رأسك شجرة صبار مهملة تعتمد على نفسها في الحصول على غذائها.

أنت الآن ستعود إلى حجرتك، ستمر على الجسور التي تمر عليها كل يوم، وتفكر في أن تلقي بنفسك من فوقها؛ فيشل التفكير إرادتك، ستقول لنفسك في هذه الليلة أيضا: لا بأس! أنا أيضا لم أكن جادا في المحاولة، وستحاول من جديد بغير اكتراث ولا دافع جدي، ثم يأتي يوم تنسى فيه - ولعلك نسيت بالفعل - ولا تتذكر كلما مررت بجسر منها سوى أنك في يوم من الأيام كنت غبيا وطائشا (هذه الكلمة الأخيرة ستقولها من قبيل المجاملة ليس غير!) وستعود دائما إلى حجرتك (الوحيدة) الباردة، تذكر الوجوه التي أحببتها ولم تقبلها، العيون التي تسولت منها نظرة عطف ولم تنتبه إلى وجودك، الأشعار التي حلمت بأن تكتبها فبقيت تتخبط كالوطاويط المجنونة في رأسك، الأجساد التي عشت سنوات إلى جانبها لم تفكر في أن تلمسها وكانت تشتاق إليك بكل خلجة وكل لمسة وكل نظرة، وحين تأتي ليلة الوداع، وتريد أنت أن تسلم في احترام؛ تفاجأ بها تثب عليك فتقبلك في زحمة الشارع أمام الناس، تحت أعين النجوم، تتشبث بك وتطوقك تريد أن تنتقم منك؛ لكنك تعرف أن الوداع أكيد، والحقائب تنتظرك، والساعات الباقية من الليل لا تكفي لكي تحقق الأمنية التي تمنتها إلى جانبك أربع سنوات!

ودائما ما تعود إلى شقتك بعد ليلة طويلة، قضيتها على القهوة المطلة على الميدان في نقاش طويل تسأل نفسك: كيف لم تمله من زمان؛ وظيفة الأدب في المجتمع، العلاقة بين الشكل والمضمون، موقف الكاتب من الشعب وموقف الشعب من الكاتب؟ وتتحمس فتخطب وتثور، أو تتجمد فتغيب عن الجميع وتحدق صامتا في الفراغ؛ لأنك تسأل نفسك في هذه اللحظات لماذا يعيش هؤلاء الناس؟

وتسأل نفسك أيضا السؤال نفسه، وتعود فتحدق في الفراغ؛ فراغ نفسك من الحياة، ومن إنسان نقول له بدون أن تتحرك شفاهنا: ما أصعب الحياة بدونك! وتترك القهوة متكاسلا، وتسير في الطريق نفسه، وتركب الترام نفسه، وربما قابلت المحصل والسائق أنفسهما، ولا تسأل إلى أين؟ لأنك دائما تعرف الطريق إلى غرفتك (الوحيدة) الباردة، ولأنك ستضع فيها المفتاح، ولأن البرد دائما ما يكون هناك، والفراش المهمل، والكتب والصحف التي تجعل منها كهفا أو مقبرة، ولأن القمر أيضا قد يكون هناك. حين تفتح الشباك لتجدد الهواء وتراه يتطلع إليك مثل طفل شاحب بعيد، يستيقظ فجأة في تابوته الفضي؛ ليقول لك: إلى أين؟ (1965م)

سيرة كلب يبحث عن إنسان1

سأحكي لكم حكاية إنسان نسجت حوله الخرافات والأساطير؛ لا تغتروا كثيرا بهذه الكلمة الأخيرة، فلم نعرف فيما وصلنا عنه من أخبار مضطربة أنه شبه بالآلهة أو أنصاف الآلهة أو الأبطال، لا بل إن أغلب من تحدثوا عنه قد بخلوا عليه حتى بكلمة إنسان.

فلقد سماه أرسطو المشهور بالكلب، كما أطلق عليه كل من ذكره صفة الكلبي، ولم ينكر هو أيضا هذه الصفة على نفسه، وإن كان فيما يروى عنه قد قال إنه كلب من نوع خاص لا يجرؤ أحد أن يصحبه معه إلى الصيد! وعندما مات، وكان هذا منذ أربعة وعشرين قرنا؛ كرمه سكان مدينته فأقاموا له تمثالا يطل على الخليج، وزادوا في تكريمه فوضعوا فوق التمثال كلبا من المرمر؛ علامة على شخصيته أو على مدرسته! ولكن لماذا نقفز مرة واحدة إلى موته ولا نسير معه خطوة خطوة على طريق حياته المضحكة أو المبكية؟ لنبدأ إذن حكايته من أولها، ولنحاول أن نفحص الأخبار التي تؤكد أنه كان كلبا من الأخبار التي تجعل منه إنسانا!

كان هذا الرجل - ولنتفق الآن مؤقتا على أنه كان رجلا مثل كل الرجال - يسمى «ديوجينيس»، كما كان أبوه يدعى «هيكزيوس»، ولقد ولد بالطبع كما يولد كل كائن حي، وكانت ولادته في مدينة صغيرة اسمها سينوب على البحر الأسود، لم يهم أحد من الرواة أو المؤرخين بأن يذكر لنا شيئا عن طفولته، فالطفولة كانت في ذلك العهد القديم - أكثر مما هي اليوم - شيئا لا يلقى غير الإهمال والاضطهاد؛ ولكننا نسمع على كل حال أنه نفي مع أبيه عن تلك المدينة الصغيرة لسبب لا ندريه، لعله هو الاختلاس أو تزييف النقود كما يقال!

كما نسمع أنه - حين عاش بعد ذلك في أثينا وأصبح من فلاسفتها المشهورين - ظل ينظر إلى نفسه نظرة الغريب المنفي الذي لا وطن له، كما ظل الأثينيون المدهشون يعاملونه كذلك معاملة المنفيين! هل أذكر لكم أبيات الشعر التي قالها في هذا الشأن؟ ولكن لنؤخرها قليلا؛ فقد تكون أليق بشيخوخته العاجزة منها بشبابه أو صباه.

Bilinmeyen sayfa