Yeşil At Asfalt Sokaklarda Ölüyor
الحصان الأخضر يموت على شوارع الأسفلت
Türler
قالت البائعة: داسه؟ قولي دهسه، العجل يا عيني فات عليه، لولا ستر ربنا كان بقى نصفين؛ والآخر يعتذر له!
أزاحت شعرها الأسود الفاحم عن عينيها، وقالت باسمة: ما هو شاعر! وجاء الأوتوبيس فقفزت فيه.
إنها لا تزال تذكر الآن كيف بدأت تهتم به وتعطف عليه؟ كانت تلاحظ أن نظراته تتابعها، نفس العيون الخرساء، العيون البائسة بلا أمل في الأرض ولا في السماء، العيون المجروحة التي تقول في انكسار: أحبك، ولا أريد منك شيئا! وبدأت هي أيضا تهتم بنفسها: كانت تطيل الوقوف أمام المرآة قبل أن تخرج إلى الشارع ، وبدأت - ربما لأول مرة - تتأمل وجهها الصغير الجميل، وتلاحظ أنفها الدقيق، ووجنتيها البارزتين، وفمها الدقيق الواسع قليلا، وشفتيها الرقيقتين اللتين تبتسمان دائما في سخرية عذبة كانت هي طابعها الأصيل؛ أما عيناها السوداوان المستديرتان فكانتا تشعان بنظرة لم تلتفت إليها من قبل؛ نظرة نارية ثائرة، فيهما كبرياء وبعد، ولكن فيهما مع ذلك حزن عميق يرسم مع الشعر الأسود الفاحم الطويل، الذي ينسدل دائما على جبينها العريض وإحدى عينيها؛ صورة من الخيالات والأحلام العذراء التي تحيط الفتيات في عمرها بهالة من الغموض والتمنع والحياء.
ها هي ذي نظرته تتابعني؛ لكن ماذا يريد؟ آه من هذا الأخرس المخبول! إنه لا يقول شيئا، لا يتحرك، لا يهتز فيه عرق واحد! هل ينظر إلي حقا أو يسبح مع أشعاره؟ وأي أشعار هذه؟ هل هي مثل أشعار شوقي وحافظ؟ هل ينشرونها حقا في الجرائد والمجلات؟ هل يكسب منها عيشه؟ هل يغنونها في الراديو؟ إنه يتابعني دائما بالنظرة الذليلة المجنونة الصامتة الصارخة بالحب واليأس والعذاب والانكسار!
لكنها تذكر الآن كيف انقلب اهتمامها الطارئ به إلى سخط وحقد واشمئزاز! إنها لا تقيم وزنا لهذه النظرات الجائعة، ولو صرخت في الأبواق بأنها تحبها حتى الموت! ماذا يقول الناس؟ ماذا تقول العائلة، والعرسان الذين يحومون حولها من الآن ويسألون عنها بل يتقدمون لأبيها: مهندسون وأطباء وضباط وموظفون محترمون؟! وها هو ذا قد خرج من حياتها التي لم يدخلها قط، واختفت نظرته وهيئته المزرية وجسده الضئيل ووجهه الشاحب الصغير، كلها اختفت إلى الأبد خلف السور الشائك الذي أقامته حولها، أو وجدته منذ البداية ملتفا عليها!
يا إلهي، ما الذي يوقفه هذه الوقفة في أكبر ميدان؟ ما الذي انتهى به إلى هذه النهاية؟ هل طردته الجريدة التي كان يعمل فيها؟ هل أفلس من الشعر؟ هل مات كل أهله فوقف في طريق الحياة كبقية شجرة قطعت من جذورها؟ هل أصابه العمى من كثرة القراءة والكتابة، أو من كثرة البكاء، أو من كثرة النظر الأخرس الحزين؟ ما الذي أدى به إلى هذا المصير؟ ما الذي جعله يمد يده المتشنجة لكل عابر سبيل؟ ألا يكسب الشعراء من شعرهم؟ ألم يكن شوقي كما يقال أمير الشعراء؟
إنها لا تذكر بيتا واحدا من الشعر - ما كل ما يتمنى المرء يدركه - لكن لا بد أن صاحبه لم يكن شحاذا، ولم يضطر إلى الوقوف في ميدان تحت شمس محرقة وسط زحام خانق، بين آلاف العيون التي تنظر أو تمر بغير اكتراث! هل دخل المسكين السجن، فعذب كما سمعت من الناس، أو علق جسده من قدميه كما تعلق الذبائح عند الجزارين، أو سلطت عليه الكلاب المتوحشة، أو أغرق بالماء إلى رقبته في زنزانة؟ هل كان من الشيوعيين والسياسيين؟ أو ماذا جرى له؟
كان الأستاذ سعيد لايزال مستغرقا في نقاش مع سائق التاكسي. أصغت قليلا، فوجدتهما يتحدثان عن مشكلات التنظيم والمدينة التي ضاقت بعرباتها وسكانها، وحاولت أن تتذكر قانون مالتس، وخطرت لها كلمة المتوالية الهندسية والمتوالية الحسابية؛ ولكنها لم تفلح في العثور على صيغة القانون. وهتف السائق: لا بد من تعميم الحبوب وجعلها بالمجان. فقال زوجها: ولو، الأرانب هي الأرانب وحياتك، وضحكا ضحكة فاضحة جعلتها تدير وجهها إلى الناحية الأخرى.
وقف التاكسي أمام باب العمارة، نزل زوجها أولا ومد إليها يده ليسندها. كم هي رخصة هذه اليد وسمينة وبيضاء ومريحة! عشرة أعوام وهي تمسك بيدها، وتربت على كتفها، وتمنحها الثقة والعطف والحنان! لكن العيون الخرساء الجائعة تقف أمامها الآن، عيون ضيقة تلمع ببريق التنفس والقلق واليأس والذل والعذاب. أأكون مذنبة أيتها العيون؟ أكان في وسعي أن أفعل شيئا ولم أفعله؟
لماذا لم يقل كلمة واحدة؟ لماذا لم ينطق بحرف لم يصدر إشارة؟
Bilinmeyen sayfa