وهذه القوس - أعْني الإفرنجية - تتألف من عَمُود وقَضيب وجَوْزَةٍ ومفْتاح. وكان العمود قبلُ يسمى المجْرَى، وإنما سُمِّي بذلك لجرْيِ السِّهام عليه، وكان مفتاحه طالعًا من جهة الجوزة يرمي سهامًا عِدَّة، مشتملة. ثم استخرج هذا العود في زمن النّمرود، وسُمي عمودًا لأنه عمد به وفيه ستة أثقاب: ثقْبُ المشْرَب، وثقْبُ الحلْقِ وهو للحل والربط، والحلُّ الربط لسبعة أشياء: الحك، والغسل، والنشر، واللَّية، والتزريق، والرّفُوع، والنزول. والثقبُ الثالث لستة، وهو ثقب الأمانة والوديعة. والثقب الرابع للجَوْزة، وهو ثقب القُفل والشرب والرِّياسةِ. والثقب الخامس للمسمار، وهو ثقب التكليف والحِمالة والعُدَّة. والثقب السادس للمفتاح، وهو ثقب الحركةَ والهيئة والأسرار. فمنه تنفتح الصنعة، وهو رُوحها ومعناها.
وسمي القضيب قضيبًا لأنه ينكح في خمسة مواضع: موضع في وسطه، وأربعة مواضع في أطرافه، وله وتران: حربي، وعوير.
وسمي الجوزة جوزة لجواز المتحرك والناطق والصامت عليها. واسم الجوزة: القلب، لأن رأس المفتاح يتقلب بها. وفيه سر وفي الجوزة آخر، فإذا اجتمعا ظهرت الحكمة.
وسمي المفتاح مفتاحًا لأنه يفتح أسرار جميع ما ذكرناه.
فصل
أسرار القوس في سبعة أشياء: حيوان يعقل وهو الرامي، ومنفصل عن حيوان لا يعقل وهو الريش والشمع والجوزة والقضيب والسهم، فتصول هذه الأربعة عند الرمي ولا يصول أحدها وحده.
وقيل: إن القوس مأخوذ من الدائرة، وهي كمال الصنعة؛ وذلك أن أهل الهندسة لما نظروا الشمس والقمر والنجوم استخرجوها منها.
وتتكلم القوس بلسان الحال، وتتنفس كتنفس الصبح، وتسمى ملكًا لأنها تملك، وإذا وضعها الرامي خاف منها كخيفة الملك إذا دخل عليه، ويخافه كذلك غيره من أجلها.
فصل
والقسى تنتخب من عشرة عيدان: خمسة برية، وخمسة بستانية. فالبرية: الطخش، وهو النبع بلغة العرب، والزنبوج، والدردال، والكتم، والشبر.
والبستانية: النارْنجُ، والنّسْمان، والتُّفَّاح، والرُّمَّان، والسَّفّرْجل.
وفي ذلك يقول بعضهم:
عَجْبًَا من القوس الكريمة إنها ... لم تَرْعَ حقَّ حمائم الأغصانِ
عادت لها حَتْفًا وكانت مَألَفًا ... وكذاك حُكْمُ تصرُّفِ الأزمانِ
وقال ابن الزّقاق:
نفسي الفداءُ لَنْبعة زَوْراءِ ... مشغوفةٍ بمقَاتلِ الأعداء
أَلِفَتْ حَمَامَ الأيكِ وهي نَضيرةٌ ... واليومَ تألفها بكسر الحاء
ولهذه العيدان التي تنتخب منها القوس معادن في الجوف والقبلة والشرق والغرب؛ ولقطعها فَصْلان: تُقطع في فصل سموم الشتاء وهو المختار، وشُبَّهت بالطفل الذي تتم رضاعته، وتُقطع في فصل سموم الصَّيف على وجه الاضطرار. والأصلي هو أحسن القُضبان، وما يُقطع في فصل فهو في حقها نُقصان.
فصل
وأعلم أن القوس تُرْبطُ على وجهين: بالنظر، وهو أصل، وبالقياس وهو فرع. فأما أهل المعرفة في ذلك فهم ثلاثة نفر: العَريف، والمعلِّم، والرَّامي. ولكل واحد منهم درجةٌ زائدةٌ على صاحبه.
فيَزيد المعلم على الرامي رطوبةَ اليدين، ويَزيدُ العَريف على المعلِّم نُورَ القلب، فيربطون القوس بالنظر، فأن غُمَّ عليهم قاسُوا بالضابط.
وصِفة القياس به: أن يُفْتَح الضابط، وتُفْتَتَح طَرفَه في الحرف الأسفل من ثقب الحلق، ثم تضع الطرف الآخر في حرف آخِرِ الصَّدر من القضيب، ثم اطلب به الجهة الأخرى، فأن تساوى القياس فهو المراد، وأن زاد طَرَف الضابط على حرف الصدر فهو مخفوض فارفعه، وأن نقَصَ فهو مرفوع فاخفضه، حتى يستقيم لك القياس.
ولا بد لربطها من لزَازَيْن اثنين قَدًّا واحدًا من عُود طيبٍ فتىٍّ يشد بهما القضيب بعد ربطه بصمته من جلد أيِّلِ ذَكَر، مقطوعة على طول الجلد، مع حلقة حديد توضع فها الرجل اليسرى عند الجرِّ، وتسمى لذلك ركابًا.
1 / 48