وإذا كان منشال الخلق قبيحه، فإنه يسئ الأخذ في التقريب والإحضار؛ وإذا أَعْنَق أنبسط نصله واسترخت رجلاه، وذلك لاسترخاء حِبالهوأنسائه، وسُوء خلقه. فلا يعتبر الفرس في شيء إلا في التقريب والحُضْر. فأما سواهما فإنه يختلط على المتفرس فيه، ولا يُستدلُّ منه على جودة.
فصل
وأفضل الخيل التامُّ الخَلْق، الشديد الأَسْر، الحديد النفس، الرحب المتنفَّس، الشًّنجِ الأَنْسَاء، الطويل العنق، الشديد مركَّبها في كاهله، الشديد الحَقْوِ، الهَريتُ الشِّدق، العظيم الفخذين، الظامئ الفصوص، المتمكن الحوافر، وَقاَحها، صُلبها، مقعَّبها. فأما شدة أسر الفرس وحدة نفسه فهما صفتان متلازمتان، تعين كلُّ واحدة منهما الأخرى، كما تعين قوة الرجل شجاعته، وتعين شجاعته قوته، فيكمل. فشجاعٌ غير قوي مقهور، وقوىُّ شجاع مهزوم.
وأما رُحْب متنفَّسِه، وهو مَنْخِراه وجوفه، فبسعتهما يكون أسرع لرجْع النفَّس، وأسهل للترويح عن القلب منه والرئة. وإن ضاق ذلك منه تَرَادَّ نَفَسه، فيكتم رَبْوه وَيَكْرُ بُه ذلك، ويَقْطَعُه.
وأما هَرَتُ شدقيه، فليسهل خروج النفس بسعتهما، وليبعد أيضًا اللجام عن ثناياه، فيتروَّح إليه، ويعتمد عليه. وسَعةُ مَنْخَريه كذلك لسرعة الترويح، ورجْع النفس.
وأما طول عُنقه، فليسمو به، ويكون أسهل لتنفسه، وأكثر تروُّحًا.
وأما شدة مركَّبها في الكاهل، فلأنه يتساند إلى ذلك في جريه، فيجد المعونة بقوته.
وأما عِظَمُ فخذيه، فلأن يَعتمد عليهما في حركته، وبهما يكون عِظَمُ مئونة جَرْيه.
وأما شدة حَقِوْيْه، فلأنهما معلّق وركيه ورجليه من صُلبه.
وأما شَنَجُ أنْسَائه، فلأنه أسرع لقبض رجليه، وأشد لضرْحهما ودفْعِه بهما.
وأما ظَمَأ فصوصه، فلأنها أرضه التي تُقلُّه، وجياده التي تحمله.
وأما قِحَتُها وصلابتها، فلأَنها مَساَحِيه التي تُثْبته بالأرض.
وأما تَقعيبُها، فلأنها تكون لكفها بذلك أبعد عن الحجارة وأثبت حين الرهص.
فهذه صفات لا يُسْتغَنى ببعضها عن بعض.
فصل
فإن كان ليس بالطويل العُنُق جدًا من غير قَصَر اغْتُفِرَ ذلك مع عِرَض العنق، إن كان مُفْرعَ العَلاَبيِّ، شاخِصَ الحارك مُنيفَه، مستأخره إلى ظهره، عريض الكتفين، طويلَهما، غامِضَ أعاليهما، شديدَ الصدر، لطيفَ الزَّور، شديد تَحْنِيب الساقين، طويلَ الذراعين. ويغتفر قصر الذراعين مع شدة عَصَبه، وتمكُّن أَرْساَغه، وجودة عضديه وكتفيه وكاهله. ويغتفر حُموشة ذراعيه مع طولهما، وامتلاء عَضُديه.
وإذا كان ليس بالطويل الفخذين، ولم يبلغا إلى النقصان من شدة القصر اغتُفِرَ ذلك لاستوائهما ولاستلحامهما.
وكذلك يغتفر قصر الساقين إذا كان عريضهما، شَنِجَ الأَنْساء. وعِرَضُ الساقين أولى من قصرهما.
ولا يغتفر انقطاع حَقوه، إلا إذا كان حسنِ اللحم وليس بالمفرْط، فيغتفر ذلك لقصر ظهره وعِرَض فَقاره، وقرب قَصَرته، وشدة مَعاَقده، وسموّ صلبه في عَجُزه، وشخوص قطاته، وشدة ما سفل منها إلى رجليه.
ولا يغتفر عظم فصوصه مع رخاوتها، ولا رقة حوافره بغير صلابتها، وإن كان شديد الخَلْق.
ولا يغتفر ضعف نْفسه وسقوطها مع رَخَاوة حباله وضيق متنفَّسه.
فإذا تمَّ الفَرسَ على ما ذكرناه من تقصير ما يغتفر له، مع كمال ما ينوب عنه، كان لاحقًا بالجياد. وإن تمَّ منه شيء مما اغتفر كان أفضلَ بحسب ذلك.
فصل
وإن كان الفَرس شديد الخَلْق، ولم يكن حديد النَّفَس لم ينفعه ذلك. وأم كان حديد النَفس، ولم يكن شديد الخَلْق لم يصبر على الجري. ولو تم خلْقه واحتدت نَفْسه، ولم يكن رَحْب المتنفَّس لم يصبر على رَبْوِه فَترادَّ نَفَسُه. ولو أتسع جوفه وضاقت مَنْخِراه لكتم رَبْوُه فهدأ نفسه. وأما إن كان رَحْب المنخِرَين حسن الجوف، لا بالرَّحب ولا المهضوم الشديد الهضم، ثم كان مع ذلك هَشاَّ، سريع العَرق، فإنه يَحتْمل بذلك ما يحْتمله الرَّحب الجوف. فمع سرعة العَرقَ يخرج من النفّس ما يُريحُه. وإن كان مع ذلك رَحب الإرهاب كان أشدّ لراحته؛ وأما إن كان مع هضمه ضَّيق الإرهاب يَبِسَه فهو أسرع في جهده، وأضعف على نفسه.
1 / 28