يعمد إلى العير ونحن في الحصار فيرسلها في الشعب ليلا.
فلما أتى لرسول الله في الشعب أربع سنين، بعث الله على صحيفتهم القاطعة دابة الأرض، فلحست جميع ما فيها من قطيعة رحم وظلم وجور، وتركت اسم الله باسمك اللهم، ونزل جبرئيل على رسول الله، فأخبره بذلك، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله أبا طالب، فقام أبو طالب، فلبس ثيابه، ثم مضى حتى دخل المسجد على قريش، وهم مجتمعون فيه، فلما بصروا به قالوا: قد ضجر أبو طالب، وجاء الآن ليسلم محمدا ابن أخيه، فدنا منهم، وسلم عليهم، فقاموا إليه، وعظموه، وقالوا: يا أبا طالب، قد علمنا أنك أردت مواصلتنا، والرجوع إلى جماعتنا، وأن تسلم إلينا ابن أخيك، قال:
والله ما جئت لهذا، ولكن ابن أخي أخبرني - ولم يكذبني - أن الله أخبره، أنه بعث على صحيفتكم القاطعة دابة الأرض، فلحست جميع ما فيها، من قطيعة رحم وظلم وجور، وتركت اسم الله، فابعثوا إلى صحيفتكم، فإن كان حقا، فاتقوا الله، وارجعوا عما أنتم عليه من الظلم وقطيعة الرحم، وإن كان باطلا، دفعته إليكم، فإن شئتم قتلتموه، وإن شئتم استحييتموه.
فبعثوا إلى الصحيفة، فأنزلوها من الكعبة، وعليها أربعون خاتما، فلما أتوا بها نظر كل رجل منهم إلى خاتمه، ثم فكوها فإذا ليس فيها حرف واحد، إلا باسمك اللهم.
فقال أبو طالب: يا قوم، اتقوا الله، وكفوا عما أنتم عليه، فتفرق القوم، ولم يتكلم أحد، ورجع أبو طالب إلى الشعب، وقال في ذلك قصيدته البائية، التي أولها:
ألا من لهم آخر الليل منصب * وشعب العصا من قومك المتشعب (1) وقد كان في أمر الصحيفة عبرة * متى ما يخبر غائب القوم يعجب محا الله منها كفرهم وعقوقهم * وما نقموا من ناطق الحق معرب
Sayfa 85