واعتقد بوالو، رئيس المدرسة الكلاسيكية ومشترعها الأول أن «سنا» مدينة بوضعها لمعركة «السيد» وصاغ هذه الفكرة في بيت من الشعر هو:
Au Cid Persécuté, Cinna doit sa naissance - إن سنا مدينة بولادتها لما عانت السيد من الاضطهاد.
أما العوامل التاريخية فهي أن حركة عصيان نشبت في منطقة نورمنديا عام 1639، فقمعها الوزير ريشليو قمعا داميا، ونفى اثنين وعشرين من قادتها. ولما كان كورناي نورمنديا، فقد اختار موضوع سنا الذي يمجد الحلم أملا أن يستدر عطف الكردينال الوزير على مواطنيه المنفيين، فتأثر ريشليو، وأثنى على الشاعر بلا تحفظ، ولكنه لم يلن، ولم يصفح عن المنفيين.
قيمة «سنا»
نجحت هذه المسرحية نجاحا يضارع نجاح سابقتيها: السيد وهوراس، فمثلت مائة وست وستين مرة، وأعرب النقاد عن إعجابهم بما فيها من:
تصوير الأخلاق والطباع تصويرا مدروسا، دقيقا، عميق الغور، يبرز المزايا الخلقية، والخفايا النفسانية ابرازا يزدان بروعة البيان، وسمو المناقب.
النقاش السياسي، وقد حذقه كورناي وأبدع فيه، وهو الذي نال جائزة في البلاغة والبيان والخطابة، إذ كان تلميذا، وأحرز إجازة الحقوق في الثامنة عشرة من عمره، فجاء نقاشه السياسي متسما بما فطر عليه من الفصاحة، وقوة الحجة، وسداد الرأي، وبعد النظر.
الإنشاء الزاخر بالقوة والإشراق، إن في رواية الحوادث، أو في الحوار، أو في عتاب الامبراطور، أو في رد فعل الندامة في نفس سنا.
وإذا كانت اميلي حبيبة سنا قد تميزت بقوة الارادة، والعجرفة وصلابة العود على مفهوم مخطئ للشرف، إلى جانب حب لاهب يقرب من الهيام، فإن أغسطس - وهو بطل المسرحية - يعطينا مثلا عن «حاكم» ينشد الكمال. فهو سيد نفسه، مسيطر على أعصابه، يكبت عواطفه في سبيل الحق، ويقدس الواجب إلى الحد الأقصى، ويتحلى بالحلم الذي يتجاوز كل تخم. وهذا ما نلمسه في عفوه عن سنا، ورغبته في التخلي عن السلطة، وندمه على قسوته السابقة، مما جعله أنبل وجه، ليس في مسرحيات كورناي فحسب، بل في مختلف مسارح العالم والتاريخ.
أما سنا، وهو شخصية ثانوية بالنسبة إلى أغسطس، فإنه ما نقم على سيده، والمحسن إليه، وولي نعمته إلا استرسالا منه في حب اميلي، فأقسم لها بقتل الامبراطور انتقاما لأبيها فأصبح أسير قسمه، وهذا مفهوم آخر مخطئ لمعنى الشرف.
Bilinmeyen sayfa