Batı Hikmeti
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
Türler
وقد أطلق أرسطو عليها اسم الفلسفة الأولى، أي البحث في الشروط العامة الأولى للمعرفة، غير أن اسم الميتافيزيقا هو الذي قدر له أن يشيع.
ويمكننا أن ننظر إلى أعمال أرسطو في هذا الميدان على أنها محاولة للاستعاضة عن نظرية المثل السقراطية بنظرية جديدة خاصة به. والنقد الأساسي الذي يوجهه أرسطو هو حجة «الرجل الثالث» مطبقة على فكرة المشاركة. وليس في ذلك إلا ترديد للنقد الذي سبق أن عرضه أفلاطون في محاورة «بارمنيدس». أما البديل الذي اقترحه أرسطو فهو نظرية المادة والصورة، فلنتأمل مثلا المادة الخام التي تستخدم في صناعة عمود في مبنى، تلك هي «المادة»، أما الصورة فهي أشبه بالتصميم الذي يضعه المعماري للعمود.
والفكرتان معا هما، بمعنى معين، تجريدان، من حيث إن الشيء الفعلي يجمع بين الاثنين معا. ويقول أرسطو إن الصورة عندما تطبع على المادة، هي التي تجعل هذه الأخيرة على ما هي عليه، فالصورة تضفي على المادة خصائصها، وتحولها بالفعل إلى شيء أو جوهر. ومن المهم ألا نخلط بين المادة والجوهر إذا شئنا أن نفهم أرسطو فهما صحيحا؛ فكلمة الجوهر تعني في أصلها اليوناني الشيء الموجود في الأساس، وهو شيء ثابت حامل للصفات، والواقع أن ميلنا الطبيعي إلى التفكير من خلال شكل من أشكال النظرية الذرية هو الذي يجعلنا نتجه إلى التوحيد بين الجوهر والمادة.
ذلك لأن الذرات، بالمعنى المطلوب هنا هي كيانات جوهرية وظيفتها حمل الصفات وتفسير التغير، وهذا ما أشرنا إليه من قبل عند حديثنا عن الذريين.
وفي نظرية أرسطو يتبين أن الصورة أهم في نهاية الأمر من المادة؛ ذلك لأن الصورة هي الخلاقة، على حين أن المادة التي هي بالطبع لازمة أيضا، مجرد أساس خام، والصورة جوهرية بالمعنى الحرفي؛ إذ يتبين مما قيل الآن أن الصور كيانات ثابتة أزلية تكمن من وراء تغير العالم الحقيقي. وعلى ذلك فإن الصور بهذا المعنى لا تختلف كثيرا عن المثل أو الصور عند سقراط؛ فالقول إن الصور جوهرية يعني أنها توجد مستقلة عن الأشياء الجزئية. أما كيف توجد هذه الجواهر فذلك ما لم يشرحه أرسطو بوضوح أبدا. وعلى أية حال يبدو أنه لم يحاول أن يعزو إليها عالما متميزا خاصا بها. ومن الجدير بالملاحظة أن أرسطو يعتقد أن الصور عنده مختلفة كل الاختلاف عن الكليات. والواقع أن نقد نظرية المثل يرتبط بالفعل بمسألة لغوية بحت؛ ففي اللغة العادية ألفاظ تدل على الأشياء وألفاظ تدل على ما تكونه هذه الأشياء؛ الأولى أسماء، والثانية صفات، والكلمة الإنجليزية النحوية المعبرة عن الأسماء هي
substantives (وتعني الجوهريات) وهي لفظ يرجع إلى العصور الهلينستية، ويثبت مدى قوة التأثير الذي كان للنظريات الأرسطية على النحويين. وعلى ذلك فالأسماء ألفاظ جوهرية، على حين أن الصفات ألفاظ كيفية.
ولكن من الخطأ أن نستدل من ذلك على أن من الضروري أن تكون هناك كليات موجودة على نحو مستقل، تكون الصفات أسماء لها. وهكذا كان رأي أرسطو في الكليات أقرب إلى الطابع العضوي، وهو أمر متوقع من عالم بيولوجي مثله؛ فالكليات تتدخل على نحو ما في إنتاج الأشياء، ولكنها لا توجد في عالم غامض خاص بها. وعلى الرغم من أن أرسطو لم يكن يقصد من نظريته في المادة والصورة أن تحل محل الكليات، فلا شك أن لها صلة وثيقة بهذه المشكلة، وهي كما رأينا لا تنجح تماما في التحرر من نظرية المثل. كما أن من المهم أن نتذكر أيضا أن نظرية أرسطو تسمح لنا تماما بأن نتحدث عن جواهر لا مادية، ومن أمثلة ذلك النفس، التي هي جوهر؛ لأنها هي التي تضفي على الجسم صورته، ولكنها ليست مادية.
وترتبط بمشكلة الكليات مشكلة تفسير التغير، وهي مشكلة قديمة العهد؛ فالبعض يجد هذا التفسير عسيرا إلى حد لا يرى معه مفرا من إنكاره، كما فعل بارمنيدس، وغير هؤلاء يقولون بنوع من المذهب الإيلي المعدل، ويلجئون إلى تفسيرات ذرية، على حين أن غير هؤلاء وأولئك يلجئون إلى شكل من أشكال نظرية الكليات، وقد تحدثنا عن هذا كله من قبل. أما عند أرسطو فنجد نظرية القوة والفعل (أو الإمكان والتحقق)، وهي أقرب إلى نظرية الكليات منها إلى النظرية الذرية.
عند مناقشة نظرية القوة أو الإمكان
potentiality
Bilinmeyen sayfa