177

Batı Hikmeti

حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي

Türler

أما كتاب باركلي الرئيسي الثاني «محاورات بين هيلاس وفيلونوس» فلا يقدم مادة جديدة للمناقشة، وإنما يكرر الآراء التي عبر عنها في أعماله السابقة، ولكن بأسلوب الحوار الذي هو أقرب إلى فهم القارئ.

إن نظرية الأفكار، كما عرضها لوك، تتعرض لعدد من الانتقادات. فإن كان الذهن لا يعرف سوى الانطباعات الحسية، فعندئذ يستحيل التمييز، كما أوضح باركلي، بين الصفات (أو الكيفيات) الأولية والصفات الثانوية. غير أن العرض النقدي المتكامل ينبغي أن يذهب أبعد حتى مما ذهب إليه باركلي، الذي كان لا يزال يسلم بوجود الأذهان. وهكذا كان هيوم هو الذي طور تجريبية لوك بحيث استخلص منها نتائجها المنطقية. وفي النهاية سنجد أن الإسراف في موقف الشك، الذي يتوصل إليه هيوم نتيجة لذلك، هو الذي يكشف الأخطاء في المسلمات الأصلية.

ولد ديفد هيوم (1711-1776م) في إدنبره، حيث التحق بالجامعة في سن الثانية عشرة. وبعد أن درس برنامجا تقليديا في الآداب، ترك الجامعة ولما يبلغ السادسة عشرة، وحاول لفترة ما أن يدرس القانون. غير أن اهتماماته الأصلية كانت تكمن في الفلسفة التي قرر في النهاية أن يتخصص فيها. وبعد أن انشغل هيوم في مشروع تجاري لفترة قصيرة، تخلى عنه بسرعة. وفي عام 1734م أبحر إلى فرنسا حيث أقام لمدة ثلاث سنوات. ولما كانت موارده محدودة، فقد اضطر إلى تكييف أسلوب حياته حسبما تمنحه إياه الأقدار من متع ضئيلة، وقد قبل هذه القيود برحابة صدر تامة، حتى يتفرغ كلية لأهدافه الفكرية.

وخلال إقامة هيوم في فرنسا، كتب أشهر مؤلفاته «دراسة في الطبيعة البشرية». فحين بلغ السادسة والعشرين كان قد أكمل الكتاب الذي أصبحت شهرة هيوم الفلسفية ترتكز عليه فيما بعد. وقد نشرت الدراسة في لندن بعد وقت قصير من عودة هيوم من سفره. ولكنها لاقت في البداية إخفاقا مدويا. والواقع أن الكتاب يحمل علامات تدل على صغر سن كاتبه، لا من حيث مضمونه الفلسفي وإنما من حيث لهجته الصريحة التي لا تخلو من الاندفاع. كذلك فإن رفضه للمبادئ الدينية السائدة، وهو رفض لم يحاول أن يخفيه، لم يساعد على إذاعة شهرته. ومن أجل أسباب كهذه أخفق هيوم، عام 1744م، في الحصول على وظيفة أستاذ كرسي الفلسفة بجامعة إدنبره. وفي عام 1746م التحق بخدمة الجنرال سانت كلير، وذهب معه في العام التالي في بعثة دبلوماسية إلى النمسا وإيطاليا، وقد أتاحت له هذه المهام أن يدخر مبلغا من المال يسمح له بالتقاعد عام 1748، ومنذ ذلك الحين كرس حياته لعمله. وقد نشر خلال فترة تبلغ خمسة عشر عاما عددا من المؤلفات في نظرية المعرفة والأخلاق والسياسة، وتوجها جميعا بكتاب في «تاريخ إنجلترا» جلب له الشهرة والثروة معا. وفي عام 1763م ذهب مرة أخرى إلى فرنسا، بوصفه السكرتير الشخصي للسفير البريطاني هذه المرة. وبعد عامين أصبح أمينا للسفارة، وأصبح قائما بالأعمال عندما استدعي السفير إلى بلاده، إلى أن عين في وظيفة جديدة في وقت لاحق من العام نفسه، وفي عام 1766م عاد إلى بلاده وأصبح وكيلا لوزارة الخارجية وظل يشغل هذا المركز لمدة عامين إلى أن تقاعد عام 1769م. أما سنواته الأخيرة فقد قضاها في إدنبره.

يرى هيوم، كما ذكر في مقدمة الدراسة أن كل بحث يحكمه ما يسميه علم الإنسان. فهو، على خلاف لوك وباركلي، لا يهتم فقط بتطهير الأرض، وإنما يضع في اعتباره المذهب الذي قد يكون من الممكن تشييده فيما بعد. وهذا المذهب هو علم للإنسان. وتوحي محاولته تشييد مذهب جديد بأنه تأثر بالمذهب العقلي السائد في القارة الأوروبية، وذلك بسبب الصلات التي ربطت بينه وبين المفكرين الفرنسيين الذين ظلوا متأثرين بالمبادئ الديكارتية. وعلى أية حال فإن التطلع إلى إقامة علم للإنسان أدى بهيوم إلى البحث في الطبيعة البشرية بوجه عام، وكانت نقطة بدايته في ذلك هي البحث في نطاق قدرات الإنسان الذهنية والحدود التي لا تتعداها.

كان هيوم يقبل المبدأ الأساسي في نظرية الإحساس عند لوك، ولم يجد بناء على هذا الرأي صعوبة في نقد نظرية الذهن أو الذات عند باركلي؛ ذلك لأن كل ما لدينا وعي به في التجربة الحسية هو الانطباعات، وليس ثمة واحد من هذه الانطباعات يؤدي إلى ظهور فكرة الهوية الشخصية. والواقع أن باركلي ذاته كان يشك في أن معالجته للنفس بوصفها جوهرا قد ألحقت بمذهبه بطريقة مصطنعة، ولم يستطع أن يقبل إمكان أن تكون لدينا فكرة عنها، ومن ثم فقد تقدم الرأي القائل إن لدينا «تصورا

notion » عن النفس. غير أنه لم يشرح أبدا كنه هذه التصورات. ولكن أيا كان ما قاله، فإن هذا يؤدي في الواقع إلى هدم نظريته الخاصة في الأفكار.

إن حجج هيوم مبنية على عدد من المسلمات العامة التي تسري خلال نظريته في المعرفة بأسرها. فهو يتفق من حيث المبدأ مع نظرية الأفكار عند لوك، وإن كان المصطلح الذي استخدمه مختلفا. فهيوم يتحدث عن انطباعات وأفكار بوصفها تؤلف محتوى إدراكاتنا، وهو تمييز لا يناظر تقسيم لوك للأفكار إلى أفكار للإحساس وأفكار للانعكاس، وإنما يتقاطع مع هذا التصنيف.

والانطباع في رأي هيوم، قد يبدأ من التجربة الحسية، أو من أوجه نشاط كالذاكرة. وهو يذكر أن الانطباعات تنتج أفكارا تختلف عن التجربة الحسية في أنها أقل منها حيوية فالأفكار نسخ باهتة من الانطباعات التي لا بد أن تكون قد سبقتها في وقت ما في التجربة الحسية. وعلى أية حال فإن الذهن عندما يفكر يستخدم الأفكار الموجودة فيه، وهنا ينبغي أن يفهم لفظ «الفكرة

idea » بالمعنى الإغريقي الحرفي للكلمة. فالتفكير في رأي هيوم تفكير بالصور، أو تخيل (imagination)

Bilinmeyen sayfa