171

Batı Hikmeti

حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي

Türler

وهيوم

Hume ، يغطون على وجه التقريب الفترة الممتدة من الحرب الأهلية في إنجلترا حتى الثورة الفرنسية. ولقد نشأ جون لوك (1632-1754م) نشأة تطهرية (بيوريتانية) بالمعنى الدقيق، وكان أبوه قد حارب في صف قوات البرلمان خلال الحرب الأهلية، على حين أن لوك نفسه قد انفصل بمضي الوقت عن طرفي النزاع معا، نظرا إلى أن التسامح كان من أهم دعائم نظرته العامة. وقد التحق لوك بمدرسة وستمنستر عام 1646م، حيث اكتسب الأساس التقليدي في الآداب الكلاسيكية، ثم انتقل بعد ست سنوات إلى أكسفورد حيث قضى السنوات الخمس عشرة التالية، أولا بوصفه طالبا، وبعد ذلك بوصفه معلما للغة اليونانية والفلسفة. ولم يجد لوك ما يروقه في النزعة المدرسية التي كانت لا تزال سائدة عندئذ في أكسفورد، على حين أنه، أبدى اهتماما أكبر بالتجارب العلمية وبفلسفة ديكارت. ولم تكن الكنيسة القائمة تبشر بالخير في نظر رجل يتسم بمثل هذه النظرة المتسامحة؛ لذلك قرر آخر الأمر أن يدرس الطب. وفي هذه الفترة تعرف إلى بويل

Boyle

الذي كان مرتبطا بالجمعية الملكية التي أسست عام 1668م. وقبل ذلك كان قد رافق بعثة دبلوماسية إلى أمير براندنبرج في عام 1665م، ثم قابل في العام التالي اللورد أشلي

Ashley ، الذي أصبح فيما بعد أول من يحمل لقب إيرل شافتسبري، فأصبح صديقا لشافتسبري ومساعدا له حتى عام 1682م.

وأشهر مؤلفات لوك الفلسفية هو كتاب «دراسة في الفهم البشري

Essay Concerning Human Understanding »، الذي بدأه عام 1671م نتيجة لسلسلة من المناقشات مع أصدقائه، اتضح له فيها أن من المفيد القيام بتقدير أولي لنطاق المعرفة البشرية وحدودها. وعندما عزل شافتسبري عام 1675م، رحل لوك وقضى السنوات الثلاث التالية في فرنسا، حيث قابل كثيرا من مفكري عصره البارزين. وفي عام 1675م عاد شافتسبري إلى الظهور في المسرح السياسي، وأصبح رئيسا للمجلس الملكي الخاص، فاستأنف لوك عمله مساعدا للإيرل في السنة التالية. وكان شافتسبري يسعى إلى الحيلولة دون اعتلاء جيمس الثاني العرش، مؤيدا مونموت

Monmouth ، الذي قاد فيما بعد تمردا فاشلا وفي النهاية مات منفيا في أمستردام عام 1683م. وقد حامت الشبهات حول لوك على أساس أنه تواطأ في الأمر، فهرب إلى هولندا في العام نفسه، وظل يعيش فترة ما باسم مستعار ليتجنب تسليمه إلى بلده الأصلي. وفي هذا الوقت أنهى كتابة «الدراسة». وخلال هذه الفترة كتب «رسالة في التسامح» و«دراستين عن الحكم». وفي عام 1688م اعتلى «وليام أوف أورانج» عرش إنجلترا، وعاد لوك إلى وطنه بعد وقت قصير، ونشرت الدراسة عام 1690م، وقضى لوك الجزء الأكبر من سنواته الأخيرة في إعداد الطبعات التالية لها، وفي خوض المناقشات التي أثارها كتابه.

في كتاب «الدراسة»، نجد لأول مرة محاولة مباشرة لبيان حدود الذهن، ولتحديد نوع الأبحاث التي يمكننا القيام بها. وعلى حين كان العقليون قد افترضوا ضمنا أن المعرفة الكاملة يمكن بلوغها في نهاية المطاف، فإن نظرة لوك الجديدة كانت أقل تفاؤلا في هذا الصدد. والواقع أن المذهب العقلي هو على وجه العموم مذهب تفاؤلي، ومن ثم فهو - من هذه الزاوية - غير نقدي. أما البحث المعرفي (الإبستمولوجي) الذي قام به لوك فهو أساس لفلسفة نقدية تعد تجريبية بمعنيين: أولهما أنها لا تصدر مقدما حكما يحدد نطاق المعرفة البشرية، كما فعل العقليون، وثانيهما أنها تؤكد عنصر التجربة الحسية؛ لذلك كانت هذه النظرة بداية للتراث التجريبي الذي حمل لواءه باركلي وهيوم وجون استورت مل، بل إنها كانت أيضا نقطة بداية الفلسفة النقدية عند كانت. وهكذا فإن ما يأخذه لوك على عاتقه في هذا الكتاب ليس تقديم مذهب جديد بقدر ما هو إزالة الأوهام والتحيزات القديمة. وفي هذا نراه يضع لنفسه هدفا رآه أكثر تواضعا من أعمال كبار البنائين لصرح المعرفة، مثل «السيد نيوتن الذي لا يبارى.» فهو من جانبه يرى أنه «حسبي من الطموح أن أشتغل عاملا تابعا يطهر الأرض قليلا، ويزيح بعض المهملات التي تعترض طريق المعرفة.»

والخطوة الأولى في هذا البرنامج الجديد في بناء المعرفة على التجربة وحدها، مما يعني ضرورة رفض الأفكار الفطرية التي قال بها ديكارت وليبنتس. والواقع أن جميع الأطراف يسلمون بأن لدينا منذ مولدنا نوعا من الاستعداد المغروز فينا، قابل للنمو، ويتيح لنا تعلم عدد من الأشياء. ولكن لا جدوى من افتراض أن الذهن الذي لم يتعلم يملك مضمونا في حالة كمون، ولو كان الأمر كذلك لاستحال علينا التمييز بين هذه المعرفة والمعرفة الأخرى التي تأتي حقيقة من التجربة، ويكون في إمكاننا عندئذ أن نقول بنفس القوة إن كل معرفة فطرية، وهذا بعينه هو ما تقول به نظرية التذكر التي عرضت في محاورة «مينون».

Bilinmeyen sayfa