152

Batı Hikmeti

حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي

Türler

كان أول من عمل على إحياء نظرية أرسطارخوس في مركزية الشمس هو كبرنيكوس

Copernicus (1473-1543م)، وكان رجل الدين البولندي هذا قد سافر في شبابه جنوبا إلى إيطاليا، حيث قام بتدريس الرياضيات في روما عام 1550م، وهنالك عرف النزعة الفيثاغورية عند علماء الحركة الإنسانية الإيطاليين. وبعد بضع سنوات من الدراسة في عدة جامعات إيطالية، عاد إلى بولندا في عام 1505م، وبعد عام 1512م استأنف عمله رئيسا للكنيسة في فراونبرج

Frauenburg ، وكان عمله إداريا في الأساس، وإن كان قد زاول مهنة الطب، التي كان قد درسها في إيطاليا، من آن لآخر. وكان في أوقات فراغه يتابع أبحاثه الفلكية، بعد أن كان قد تنبه إلى الفرض القائل بمركزية الشمس خلال إقامته في إيطاليا. وأخذ في الفكرة التي نتحدث عنها يحاول اختبار آرائه مستعينا بما كان يمكنه الحصول عليه عندئذ من أدوات.

وقد عرض كبرنيكوس هذه الأفكار كلها عرضا وافيا في كتاب بعنوان «في دورات الأجرام السماوية»، لم ينشر إلا في العام الذي توفي فيه. ولم تكن النظرية كما عرضها في ذلك الكتاب تخلو من صعوبات، وكانت تمليها في بعض جوانبها أفكار مسبقة ترجع إلى أيام فيثاغورس؛ فقد كان كبرنيكوس يرى أن من الضروري أن تتحرك الكواكب باطراد في دوائر، ويرى هذا قضية مسلما بها، لأن الدائرة رمز الكمال، والحركة المطردة هي نوع الحركة الوحيد الذي يليق بالجرم السماوي. غير أن فكرة مركزية الشمس بمدارات دائرية كانت، في إطار الملاحظات المتوافرة عندئذ، أرقى كثيرا من الأفلاك الدوارة على محيط الشمس، التي قال بها بطليموس؛ إذ إننا هنا نجد أنفسنا أخيرا إزاء فرض بسيط يستطيع وحده أن يفسر كل الظواهر. ولقد استقبلت النظرية الكبرنيكية بعداء شديد من جانب اللوثريين فضلا عن الكاثوليك. ذلك لأنهم شعروا، عن حق، بأن هذه بداية حركة جديدة مضادة للجمود العقائدي، من شأنها، إن لم تهدم عقيدتهم ذاتها، أن تهدم على الأقل تلك المبادئ السلطوية التي كانت تعتمد عليها مؤسساتهم الدينية. وإذا كنا نجد أن التطور الهائل للحركة العلمية قد حدث أساسا في النهاية، في البلاد البروتستانتية، فإن ذلك يرجع إلى العجز النسبي للكنائس القومية عن فرض سيطرتها على أفكار أعضائها.

وقد واصل تيكوبراهي

Tycho Brahe (1546-1601م) الأبحاث الفلكية، وتمثل إسهامه أكبر في تقديم سجلات هائلة ودقيقة عن حركات الكواكب، كذلك ألقي ظلالا من الشك على النظريات الفلكية الأرسطية حين أوضح أن المنطقة الواقعة فيما وراء القمر لا تخلو من التغير؛ إذ تبين أن نجما جديدا ظهر في عام 1572م لم يكن يغير شكله يوميا، ومن ثم فلا بد أن يكون على مسافة أبعد من القمر بكثير كما أمكن إثبات أن المذنبات تتحرك فيما وراء فلك القمر.

أما كبلر

Kepler (1571-1630م) فقد خطا خطوة هائلة. وكان كبلر يعمل في شبابه مساعدا لتيكوبراهي. وعندما درس سجلات الأرصاد الفلكية (التي تركها أستاذه) بدقة، تبين له أن المدارات الدائرية التي كان يقول بها كبرنيكوس لم تكن تفسر الظواهر تفسيرا صحيحا، وأدرك أن المدارات بيضاوية تحتل الشمس أحد مركزيها. وفضلا عن ذلك تبين أن المساحة التي يعبرها في لحظة معينة نصف قطر يربط الشمس بكوكب ما، تظل ثابتة بالنسبة إلى هذا الكوكب. وأخيرا فقد اتضح أن نسبة مربع مدة دوران الكوكب إلى مكعب متوسط المسافة بينه وبين الشمس تظل واحدة في حالة جميع الكواكب.

تلك هي قوانين كبلر الثلاثة، التي كانت تشكل خروجا جذريا عن التراث الفيثاغوري الحرفي الذي كان يتبعه كبرنيكوس، وأصبح واضحا أن من الضروري التخلي عن تلك العناصر الخارجة عن نطاق العلم، من أمثال الإصرار على الحركة الدائرية. ولقد جرت العادة منذ أيام بطليموس، في الحالات التي كان يتضح فيها عدم كفاية مدار دائري بسيط، أن تضاف مدارات أكثر تعقيدا عن طريق حركات تدور حول محيط فلك معين، وهي طريقة تعلل على وجه التقريب حركات القمر بالنسبة إلى الشمس. غير أن الملاحظات الأكثر دقة أثبتت أنه مهما كانت تلك الإضافات المدارية حول المحيط، فإنها لا تستطيع أن تقدم وصفا شاملا للمدارات المرصودة. وقد أدى قانون كبلر إلى استئصال هذه الصعوبة من جذورها دفعة واحدة. وفي الوقت ذاته أثبت قانونه الثاني أن حركة الكواكب في مداراتها ليست مطردة. فحين تكون الكواكب أقرب إلى الشمس تتحرك بسرعة أكبر من حركتها حين تكون في الأجزاء الأبعد من مدارها. كل ذلك دفع الناس إلى الاعتراف بخطورة الاعتماد على آراء مرتكزة على مبادئ جمالية أو صوفية دون الرجوع إلى الوقائع ذاتها. ومن جهة أخرى فإن قوانين كبلر الثلاثة كانت تشكل دعما قويا للمبادئ الرياضية الرئيسية للفيثاغورية، وبدا أن البناء العددي للظواهر هو الذي يقدم مفتاحا لفهمها في الواقع. وبالمثل أصبح واضحا أن الإتيان بتفسير للظواهر يقتضي البحث عن علاقات لا تظهر عادة بوضوح، فالمقاييس التي يسير الكون وفقا لها مختبئة، كما عبر عن ذلك هرقليطس، ومهمة الباحث العلمي إنما هي إماطة اللثام عنها. وفي الوقت ذاته فإن مما له أهمية قصوى ألا يخالف الباحث الظواهر لمجرد أن يحتفظ بمبدأ معين خارج عن نطاق بحثه.

ولكن إذا كان تجاهل الظواهر هو، من جهة، أمر محفوف بالخطر، فإن الاكتفاء بتسجيلها آليا لا يقل إضرارا بالعلم، من جهة أخرى، عن أشد التأملات الفكرية الخالصة شططا. وأوضح مثل لذلك هو أرسطو؛ ذلك لأنه كان على صواب في قوله إنك إن لم تظل تدفع جسما من الأجسام فإنه سيتوقف، وهذا هو بالقطع ما نلاحظه في حالة تلك الأجسام التي نستطيع دفعها، ولكنه كان على خطأ حين استنتج من ذلك أن هذا يصدق على النجوم، التي لا نستطيع نحن أن ندفعها بأنفسنا حول السماء، ومن ثم ظهر الاعتقاد بأنها لا بد متحركة على نحو آخر. كل هذا التفكير النظري غير السليم في ميدان حركة الأجسام يرتكز على مجموعة من الظواهر التي بولغ في الاكتفاء بمظهرها الخارجي. وهنا أيضا نجد أن التحليل الصحيح كامن ومختبئ، فما يسبب تباطؤ الأجسام حين لا يستمر دفعها هو تأثير العوائق، ولو أزلت هذه العوائق لظل الجسم يتحرك بذاته. وبطبيعة الحال فإننا لا نستطيع عمليا إزاحة جميع العوائق. ولكننا نستطيع الإقلال منها وملاحظة أن الحركات تستمر لمدة أطول بقدر ما يمكن تطهير مسارها. أما في الحالة الحدية التي لا يعود فيها شيء يعوق الجسم، فإنه يستمر في حركته الحرة. هذا الفرض الجديد في الديناميكا وضعه جاليليو (1564-1642م)، وهو من أعظم مؤسسي العلم الحديث. ولقد كانت هذه النظرة الجديدة إلى الديناميكا تمثل خروجا جذريا عن المذهب الأرسطي في ناحيتين: فهي أولا تفترض أن السكون ليس حالة مميزة للأجسام، بل إن الحركة طبيعية شأنها شأن السكون تماما. وثانيا فقد أثبتت أن الحركة الطبيعية، بالمعنى الخاص الذي كانت تستخدم به هذه الكلمة، ليست هي الحركة الدائرية، وإنما هي الحركة في خط مستقيم. فإذا لم يحدث تدخل من أي نوع في طريق جسم ما، فإنه يظل يتحرك بسرعة متجانسة في خط مستقيم.

Bilinmeyen sayfa