Batı Hikmeti
حكمة الغرب (الجزء الأول): عرض تاريخي للفلسفة الغربية في إطارها الاجتماعي والسياسي
Türler
وفي عهد تيودريك
Theodoric
كان يعيش في روما مفكر مرموق، كانت حياته وأعماله تتسمان بطابع مضاد بشدة للتدهور الحضاري العام السائد عندئذ؛ ذلك هو بويتيوس
Boethius ، الذي ولد في روما حوالي عام 480م، لأب كان من النبلاء. وكانت لبويتيوس صلات قوية بطبقة أعضاء مجلس الشيوخ، كما كان صديقا لتيودوريك، وعندما أصبح الملك القوطي حاكما لروما في عام 500م، عين بويتيوس بعد فترة قنصلا في عام 510م. غير أن الأقدار انقلبت عليه في أخريات سني حياته؛ ففي عام 524م سجن وأعدم بتهمة الخيانة، وفي فترة سجنه، مترقبا الموت، ألف الكتاب الذي كان مصدر شهرته، وهو «عزاء الفلسفة».
كان بويتيوس حتى في عصره مشهورا بالحكمة والعلم، وإليه يرجع الفضل في تقديم أولى الترجمات اللاتينية لمؤلفات أرسطو المنطقية، كما كتب شروحا ومؤلفات خاصة به على المنطق الأرسطي. وظلت دراساته في الموسيقى والحساب والهندسة تعد لفترة طويلة مراجع أساسية في مدارس الفنون والآداب في العصور الوسطى، ولكن لسوء الحظ أن خططه من أجل القيام بترجمة كاملة لأفلاطون وأرسطو لم تتحقق.
ومع ذلك، فإن الأمر الذي يدعو إلى الدهشة هو أن العصور الوسطى لم تكن تقدره بوصفه باحثا عظيما في الفلسفة الكلاسيكية، بل كانت تكن له تقديرا كبيرا بوصفه مسيحيا. صحيح أنه نشر بعض الدراسات في المسائل اللاهوتية، كان يعتقد أنه هو كاتبها، وإن لم يكن من المرجح أن تكون نسبتها إليه صحيحة، غير أن موقفه كما عرضه في كتاب «عزاء الفلسفة» أفلاطوني. وبطبيعة الحال فإن الاحتمال كبير في أنه كان بالفعل مسيحيا، كما كان معظم الناس في ذلك الحين، ولكن إذا صح هذا فإن مسيحيته - إذا حكمنا عليها في ضوء فكره - لم تكن إلا اسمية؛ ذلك لأن تأثير فلسفة أفلاطون عليه كان أقوى بكثير من تأثير التأملات اللاهوتية لآباء الكنيسة. ومع ذلك فربما كان من حسن الحظ أنه اعتبر متدينا لا شبهة على إيمانه؛ لأن هذا هو الذي جعل رجال الدين في القرون التالية يستوعبون قدرا كبيرا من المذهب الأفلاطوني في وقت كانت فيه أدنى شبهة من الهرطقة كفيلة بأن تطوي مؤلفاته في زوايا النسيان.
وعلى أية حال، فإن كتاب «عزاء الفلسفة» خال من اللاهوت المسيحي ، وهو يتألف من أقسام يتناوب فيها الشعر والنثر؛ إذ يتحدث بويتيوس نفسه نثرا، بينما ترد عليه الفلسفة، بلسان امرأة، شعرا. ويختلف الكتاب في مذهبه وفي نظرته العامة اختلافا كبيرا عن الاهتمامات التي كانت تشغل رجال الكنيسة في ذلك الحين؛ فهو يستهل بفقرة تعيد تأكيد أولوية الفلاسفة الأثينيين الثلاثة الكبار.
وقد التزم بويتيوس في حياته الفاضلة تقاليد الفيثاغوريين.
وكانت نظرياته الأخلاقية رواقية إلى حد بعيد، كما أن ميتافيزيقاه ترجع إلى أفلاطون مباشرة، وتصطبغ بعض فقراته بصبغة شمول الألوهية
، ومن ثم فهو يضع نظرية لا يعد الشر فيها حقيقيا؛ ذلك لأن الله الذي هو ذاته الخير، لا يمكن أن يقترف شرا. ولما كان قادرا على كل شيء، فلا بد أن يكون الشر وهما.
Bilinmeyen sayfa