جرى كل هذا وأحد الشركاء في المحل واقف إلى منضدته، واضع رأسه على كفه، وعيناه تنظران عزيز السيار يحيط القوم وصفا بخليل لقمان، وكان التاجر يبتسم ابتسامة لها معنى يعرفه الخبيرون بأمور الفراسة. ولما انتهى هذا الدور وخرج عزيز من المحل وأكثر الذين كانوا موجودين، التفت ذلك التاجر إلى أحد شركائه وقال له: «أتراهن أن عزيزا لم يجتمع بخليل لقمان ولا رأى له وجها؟»
فأجابه الشريك الآخر وقال: «لا يا شريك، لا تغلط، إن عزيزا يعرف كل مخلوق، وكفى برهانا أنه ذكر أوصافه، وإلا فمن أين أتى بها؟»
فقال التاجر لشريكه: «لا تجادلني، قلبي يحدثني أن عزيزا السيار لا يعرف خليل لقمان، ولم يجتمع به في حياته، أتراهن على ذلك؟»
فأجابه شريكه: وكيف يمكنك أن تعرف حقيقة الأمر؟ - إلى صاحب الجريدة التي يكتب فيها خليل، وهناك نسأله عنه لعلنا نهتدي إلى حقيقة الأمر.
وذهب الاثنان الشريكان إلى إدارة الجريدة في الحال، فاجتمعا بصاحبها الذي أحسن استقبالهما وأدخلهما إلى غرفة التحرير، وبعد أن جلس الثلاثة فتح التاجر فمه بالكلام فقال: «جئنا إليك يا أفندي صدفة دون ميعاد؛ فقد بلغنا أن خليل لقمان موجود في نيويورك، فأحببنا زيارة الإدارة للتعرف عليه، وأداء امتناننا لكتابته على صفحات جريدتكم الزاهرة؛ تشجيعا له على الأخذ بناصر جريدتكم المحبوبة.»
فأجاب الصحافي وقال: «أشكركم من كل قلبي، ولكن يا للأسف إن خليل لقمان عاد إلى بفلو صباح اليوم، وقد جاء نيويورك في ليلة واحدة ولم يقم غيرها خوفا من مقابلة الناس، ولكني سأكتب إليه وأعلمه بتشريفكم الإدارة للسلام عليه، ولكن من أين عرفتم أنه كان في نيويورك، ولا أظن أن أحدا عرف بقدومه إلا أنا؟»
فابتسم الشريك المراهن بجانب عزيز، وقال في سره: لقد ربحنا الرهن؛ لأن خليلا كان في نيويورك حسب رواية عزيز.
أما الشريك الثاني؛ فقد شعر ببعض هذا، ولكنه لم يشأ أن يسلم، بل أخبر الصحافي بأن عزيزا السيار أخبره عن قدوم خليل. أما الصحافي فعندما وقع في مسمعه اسم عزيز السيار ضحك ضحكة قوية وقال: «الآن عرفت سبب قدومكما، فيظهر أن عزيزا لا يزال متأثرا من حادثة أمس، فأرسلكما لتعتذرا أمام خليل عن حادثته المشئومة، ولكن لا بأس أن أخبركما أن خليلا لم يهمه الأمر، بل كان الفصل الذي مثله عزيز أمامه البارحة فكاهة عظيمة لا يزال حتى هذه اللحظة يضحك منها.»
فأجاب التاجر: «ولكننا لم نأت لهذا الغرض، بل جئنا - والكلام بسرك - لنعرف من أين هذه الصداقة الجامعة بين عزيز السيار وخليل لقمان؟»
عندئذ بدأ الصحافي يخبر الزائرين تاريخ تلك الصداقة، وهو يقول كلمة ويضحك خمس دقائق، أما التاريخ فكما يأتي:
Bilinmeyen sayfa