وشلبي الألايلي له حكاية تستحق الرثاء.
لطيف ومحبوب ولكن ثمة لحن مميز في حديثه هو الإعجاب بأبيه، والفخر بالآباء شعار مألوف في حارتنا، ولكن المغالاة فيه لا تخلو من دلالة، ولا يسلم على المدى من تهكم، وأبوه كان كاتبا في دكان الخردوات، وكان طويلا عريضا، والرجال يقيمون بالطول والعرض في حارتنا.
يقول لي شلبي وهو يتنهد: طالما رأيت أبي بعيني طفل أو من خلال عيني أمي أيضا!
فأقول له: هذا حال كثيرين منا. - ولكن الطفل يكبر ثم يعمل عادة في حرفة أبيه فيتسنى له أن يراه على حقيقته، أما أنا فدخلت المدرسة وواصلت تعليمي فظل أبي في خيالي أسطورة. - أي أسطورة يا شلبي؟ - أسطورة الجلال والثراء!
ثم يواصل بعد صمت قصير: ومات الرجل فهتك الستر من ورائه عن عالم غريب. - عالم غريب؟ - لم يترك مليما واحدا، كانت صدمة، وقلت إنه الكرم قد أهلك ثروته!
ويمضي في قصته، أو في اعترافه، فيقول إنه توظف، وطمح ذات يوم إلى الزواج من كريمة تاجر الغلال، وأراد أن يزكي نفسه عنده فأخبره أنه ابن الألايلي. - ودهمني الرفض، تحريت عن السبب بإلحاح شديد حتى عثرت عليه في ذكريات أبي! - هكذا؟ - تصور حالي إن استطعت.
ويجري لاهثا وراء مزيد من التحريات ينبش بها قبر الراحل فتتكشف له حقائق مريرة خافية، أخطرها بلا شك اتهامه في شبابه بالسرقة والحكم عليه بالسجن عاما، وقد قبل تاجر الخردوات بتوظيفه كاتبا عنده لصداقة قديمة بينهما.
شلبي الألايلي يجتر همومه وحده، حتى أمه لا تدري شيئا، وهو يفشي أسراره الدفينة، لا ليجد شريكا يبثه همه، ولكن لتوهمه أن سيرة أبيه أصبحت نادرة على كل لسان.
وتحدث الحقائق المكتشفة آثارا قاسية مناقضة في حياته، فها هو يلتزم بحياة مستقيمة نقية بل مثالية في عمله وحارته، وها هو يتحرر بالفضيحة من سيطرة آراء الناس عليه، فيعمل الصواب دون مبالاة بالآخرين، ويعدل عن طموحه إلى الزواج الممتاز، ويثابر على التنويه بمآثر أبيه!
ويقول لي مرة بصراحة صلبة: أهم شيء في هذه الدنيا أن نعرف الحقيقة.
Bilinmeyen sayfa