يقعد الساعات متربعا عند مدخل القبو، معتمدا على نبوته، يصمت طويلا، ينفجر بصوت كالرعد «يا أكرم من سئل»، يجيئه الطعام في أوقاته، تتراكم الملاليم في جيبه، يتبادل التحيات مع السابلة.
وبسبب من حدة التناقض بين قوته الخارقة وبين حرفته المستضعفة، فإنه مثار للابتسام، ولكن بلا حنق أو حقد، فحسبه أنه ابن حارتنا، وحسبه أنه لا يستثمر قوته في العدوان.
ويشاء الحظ أن أشهد معركته الكبرى.
ففي أحد المواسم يهبط حارتنا زلومة - شحاذ ضرير أيضا - من القبو راجعا من القرافة مثقلا بالفطير والتمر، فيختار مجلسا غير بعيد من القرد ليستريح من عناء يوم مظفر.
ها هما الشحاذان الضريران يجلسان على جانبي مدخل القبو كأنهما حارسان، ويتلقى القرد بأذنيه الحادتين رسائل خفية من حركات شفتي زلومة، كما يتلقى أنفه رسائل مغرية من جراب الأغذية، يتجه رأسه نحو الرجل باهتمام وتساؤل وتحفز.
ويهتف زلومة في غبطة: يا حسين يا حبيب النبي يا سيد الشهداء .. مدد.
فيقطب إبراهيم القرد ويتساءل بغلظة: من؟
فيجيبه زلومة ببراءة: سائل على وجه الكريم! - وماذا جاء بك إلى هنا يا بن الزانية؟
فيسأل زلومة بحدة: أملكت أرض الله؟ - ألا تراني؟ - إني أرى بنور القلب.
فيتمتم إبراهيم القرد: عظيم.
Bilinmeyen sayfa