وقال سلامة لنفسه محسورا: إني أفقد كل يوم شيئا ثمينا لا يعوض.
ولاحظ كثيرون أن الخفير سلامة قد تغير، وأن شائبة قد شابت استقامة قامته، وهو من ناحيته شعر أن الناس يتغيرون أيضا، ينظرون إليه باستهانة ما، يجاملونه ولكن نظراتهم لا تخلو من سخرية، لقد أوشكوا يوما مع إعجابهم به أن يحقدوا عليه لصلابة أخلاقه، أما اليوم فهم يعطفون ويسخرون. •••
وأنهى سلامة عذابه بأن ذهب إلى المأمور واعترف.
وتأثر المأمور، أمر بالقبض على برهومة، وقال لسلامة: قدم استقالتك كيلا ترفت، إني أعطيك هذه الفرصة إكراما لتاريخك. •••
ولم يهمل سلامة بلا عمل طويلا، فاستخدمه صاحب مخزن الغلال خفيرا عنده.
وعد سلوكه مثالا طيبا عند أناس، كما اعتبر نوعا من البله عند أناس آخرين.
الحكاية رقم «65»
الشيخ لبيب وجه عتيق في حارتنا، تراءى لعيني معلما من معالم الحارة مثل التكية والقبو والسبيل، كان يتخذ مجلسه قبيل مدخل القبو، على فروة يجلس، وبين يديه مبخرة تنفث رائحة دسمة مخدرة، ذو جلباب أبيض وطاقية خضراء، مكحول العينين ضعيف البصر، يطوق عنقه بمسبحة طويلة تستقر شرابتها في حجره.
تتقاطر النسوان على مجلسه، يجلسن القرفصاء صامتات، يرمين بمناديلهن وينتظرن كلمة تخرج من فمه، يغمغم ويتثاءب ثم يتمطى، ينطق بكلمة مفردة مثل «تفرج» أو بمثل من الأمثال مثل «يا رايحين ربنا يكفيكم شر الجايين» فتفهم المرأة ما تفهم، فيتهلل وجهها فرحا أو يغمق كآبة، ثم تدس المقسوم تحت طرف الفروة وتمضي.
عاش الرجل دهرا رزقه يجري، وكراماته تروى، واسمه يتردد على شفاه ذوي القلوب الكسيرة وما أكثرهم في حارتنا. •••
Bilinmeyen sayfa