Hikaye ve İçindekiler: Anlatı (İlkeler, Sırlar ve Alıştırmalar)
الحكاية وما فيها: السرد (مبادئ وأسرار وتمارين)
Türler
الناس أماكن أيضا
لا يمكننا أن نتذكر عائلة السيد أحمد عبد الجواد في ثلاثية نجيب محفوظ من دون أن نستحضر بيت العائلة، بغرفه وبئره وسطحه وطيوره وإيقاع دقات العجين في وقت مبكر من صباح كل يوم جديد. لا يمكننا أن نستعيد جي جاتسبي في رواية جاتسبي العظيم لفيتزجيرالد دون أن نتخيل قصره الساحر وحدائقه وحفلاته الأسطورية، كما لا يمكن أن نفصل ميخائيل بطل روايات إدوار الخراط عن الإسكندرية؛ مدينة طفولته وشبابه، ومكمن أحلامه وهواجسه وأشواق روحه.
بقدر ما يصدق هذا على أعمال الخيال وكتابات السرد، يصح أيضا على واقع حياتنا؛ فمن الصعب أن نتذكر صديقا قديما من غير أن يرتبط في ذكرياتنا بالأماكن التي جمعتنا به، وكم تغنى الشعر العربي القديم ولعا بالديار والأماكن والأطلال لمجرد أنها كانت شاهدة على وصل الأحبة والأنس بالمعشوق؛ لهذا يجب علينا أن نولي عناية خاصة بأماكن شخصياتنا؛ لأنها شواهد عليهم وهم شهود عليها، يعرفون بها وتعرف بهم. زقاق المدق هو نفسه الأشخاص الذين يعيشون فيه، وأبطال إبراهيم أصلان لا يمكن انتزاعهم من إمبابة والكيت كات وشارع فضل الله عثمان.
تلك الأماكن ليست مجرد ديكورات خارجية هشة مصنوعة من قماش ملون، ليست مجرد بيت وحارة وشارع ومدرسة ومكتب، بل هي نسيج السنوات والأعمار، في أركانها تتردد أنفاس من عاشوا فيها سابقا ومن يعيشون الآن، وعلى جدرانها ترتسم المصائر والحظوظ. إن لم ننتبه لهذا من حولنا؛ فلن نستطيع نقله إلى الورق. الإنصات لأصوات كل مكان، وتشمم روائحه الخاصة، وتلمس أبعاده، وتأمل مناظره؛ هو نقطة الانطلاق الأولى نحو تسكين شخصياتك في المحيط الملائم بها، ثم يأتي بعد ذلك التفاعل بينها وبين أماكنها، يأتي الاندماج أو الضجر، يظهر الحنين أو تثور الرغبة في الهرب، نشهد التكيف والألفة أو نراقب الضياع والاغتراب. على كل منا، إذا أراد أن ينقل خبرة شخصياته بالأماكن وما بينهما من صلات في حكايته، أن يكون معماريا بدرجة هاو، أو منسق مناظر بتعبير المهن السينمائية.
هذا البيت، هذا الشارع
ليس من الحكمة أن نكتب عن شارع لم نمش فيه ولو مرة واحدة على الأقل، حتى ولو كان دور الشارع في النص محدودا للغاية؛ إذ كيف نعرف درجة زحامه في ساعة محددة، وهل توجد فيه مدرسة أم كنيسة أم دار سينما؟ طبعا الخيال على العين والرأس، لكنه لن يكون كافيا على الدوام لكي تنقل لقارئك إحساس المصداقية. لا نتحدث فقط عن النصيحة القديمة، المشكوك فيها بدرجة ما: «اكتب عما تعرف.» بقدر ما نشدد على التجربة الحسية المباشرة. ويمكن للكاتب دائما أن يصنع من الفتات القليل الذي بين يديه أشياء كثيرة وجميلة؛ فلعل دقائق نقضيها في شقة أكاديمي عجوز متقاعد نستشعر فيها أنفاس وتاريخ هذا البيت، أضواءه وظلاله وإيقاعه الخاص؛ أو ساعة على شاطئ مدينة ساحلية، قد تكون من الكثافة والعنفوان بحيث نستطيع أن نجر البحر منها جرا إلى نصنا. المبدع هو أيضا إنسان محدود القدرات، وبالتالي لن يستطيع أن يعيش في جميع الأماكن وجميع الأزمنة ويختبر كل شيء في عمره المحدود، لكنه مع هذا يستطيع أن يشحذ حواسه ويتشبع بما يحيط به، ثم يحول ما استقبله إلى شيء آخر؛ شيء حقيقي وحاضر وحي أكثر من الواقع نفسه في بعض الأحيان، فإن مدنا مثل روما عند المخرج الإيطالي فيلليني، أو الإسكندرية عند يوسف شاهين، قد تجاوزت حدودها الطبيعية وصورها الأصلية لتصبح أيقونات خالدة، بعد أن نفخ فيها كل فنان من روحه، وسكب فيها دمه وعصارة أحلامه.
يبقى أن نكون محددين قدر ما استطعنا، فلا نكتب عن دار ريفية بسيطة، بقدر ما نصف تلك الدار بكل ما يمكن أن نراه فيها ونسمعه ونلمسه ونشمه، بتاريخها وأسرار غرفها المغلقة، ولا نكتب عن شارع في مدينة هادئة، بقدر ما نلاحق هذا الشارع حتى نكتشف وجهه الخفي، وعلاقته الخاصة بتلك المدينة تحديدا.
غرفة البطل
شخصيتك، بطلك الرمزي حتى لو لم يكن يملك أيا من أمارات البطولة وسماتها، هو نفسه مكان معيشته، بقدر أو بآخر؛ ما الذي يوجد في غرفته من أثاث؟ أهي مزدحمة، منظمة، خانقة؟ ما المنظر الذي يطل عليه حين يفتح نافذته؟ ما الأصوات التي تصل إليه في فراشه؟ إن لم تعرف أمورا مثل تلك؛ فأنت لم تتعرف على بطلك بعد. المقصد هنا أن تتخيل كل ما يحيط بشخصياتك في أوضح صورة ممكنة، وربما لا يكون المكان ككل مهما بقدر أهمية بعض تفاصيله الخاصة؛ صورة معلقة على جدار، رائحة الغراء ونشارة الخشب تنبعث من ورشة نجارة قريبة، أصوات دواجن في عشش السطوح، إلى آخره.
اكتب بالمكان (1)
Bilinmeyen sayfa