وَمَعْلُومٌ قَطْعًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُهْلِكْ هَذِهِ الْأُمَمَ الْكَثِيرَةَ إِلَّا بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى، فَاخْتَارُوا عَلَيْهِ الْكُفْرَ، وَلَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُمُ الْهُدَى وَاخْتَارُوا خِلَافَهُ لَمْ يَهْلِكُوا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ، وَقَالَ تَعَالَى: فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ، أَيْ فَلَمْ يَكُنْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ. وَمَعْلُومٌ قَطْعًا أَنَّهُ لَمْ يُصَدَّقْ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ أَوَّلِهِمْ إِلَى آخِرِهِمْ وَلَمْ يَتَّبِعْهُ مِنَ الْأُمَمِ مَا صُدِّقَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ﷺ.
وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُ مِنَ الْأُمَمِ أَضْعَافُ هَاتَيْنِ الْأُمَّتَيْنِ الْمُكَذِّبَتَيْنِ مِمَّا لَا يُحْصِيهِمْ إِلَّا اللَّهُ وَلَا يَسْتَرِيبُ مَنْ لَهُ مُسْكَةٌ مِنْ عَقَلٍ أَنَّ الضَّلَالَ وَالْجَهْلَ وَالْغَيَّ وَفَسَادَ الْعَقْلِ إِلَى مَنْ خَالَفَهُ وَجَحَدَ نُبُوَّتَهُ أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى أَتْبَاعِهِ وَمَنْ أَقَرَّ بِنُبُوَّتِهِ.
وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ: كَيْفَ جَازَ عَلَى هَؤُلَاءِ الْأُمَمِ الَّذِينَ لَا يُحْصِيهِمْ إِلَّا اللَّهُ الَّذِينَ قَدْ بَلَغُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا عَلَى اخْتِلَافِ طَبَائِعِهِمْ وَأَغْرَاضِهِمْ وَتَبَايُنِ مَقَاصِدِهِمِ الْإِطْبَاقُ عَلَى اتِّبَاعِ مَنْ يَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى الْعَقْلِ، وَيُحِلُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرُسُلُهُ وَيُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَذَّابَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي دَعْوَى الرِّسَالَةِ هُوَ شَرُّ خَلْقِ اللَّهِ وَأَفْجَرُهُمْ وَأَظْلَمُهُمْ وَأَكْذَبُهُمْ. وَلَا يَشُكُّ مَنْ لَهُ أَدْنَى عَقْلٍ أَنَّ إِطْبَاقَ أَكْثَرِ الْأُمَمِ عَلَى
1 / 242