بخلاف ما لو أقرض الماء نفسه، فإن الأصح في «الرافعي»: وجوب قبوله، ووجهه بأنه إنما يطالب عند الوجدان، وحينئذ يهون الخروج عن العهدة. قلت: وفي ذلك نظر، فإنه إن أراد وجدان الماء فقد نص الشافعي على أنه إذا أتلف عليه ماء في مفازة، ولقيه في بلد- أن الواجب قيمته في المفازة، فإن الماء في البلد تقل قيمته، وستعرف ذلك في كتاب الغصب. وإن أراد وجدان قيمته في البلد فقيمته وثمنه الذي يقرضه إياه سواء في المعنى، فلا فرق، والله أعلم. انتهى كلامه.
وفيه أمران:
أحدهما: أن هذا التقسيم الذي ذكره ليس بحاصر، لأنه أهمل قسمًا ثالثًا الظاهر أنه المراد، وهو أنه قد يكون واجدًا له قبل وصوله للبلد، وحينئذ يندفع المحذور المذكور.
الثاني: أنه لا يلزم من تنصيص الشافي في الغاصب على ذلك لتعديه، أن يكون المقترض الآخذ بالرضا كذلك، لظهور الفرق.
قوله: ولو بذل له ماء، أو بيع بثمن المثل- لزمه قبوله.
ثم قال: وثمن المثل: هو الذي يبذل في مقابلته في ذلك الموضع في عموم الأحوال، قاله أبو إسحاق المروزي، ولم يحك البندنيجي والماوردي وابن الصباغ غيره، واختاره الروياني. وقيل: ما يبذل في مقابلته في ذلك الموضع مع السلامة واتساع الماء، حكاه الإمام عن بعض المصنفين، وهو في «الإنابة».
وقيل: ما يبذل في مقابلته في تلك الحالة، وهو ما حكاه الإمام عن الأكثرين، والأصح في «الإبانة»، ولم يحك الشيخ أبو حامد- كما قيل- غيره. وقيل: إن الماء لا ثمن له، والمعتبر أجرة نقله إلى ذلك المكان، قال الإمام: وهذا مبني على أن الماء لا يملك، وقال الغزالي: إنه جار وإن قلنا: الماء مملوك. انتهى.
فيه أمور:
أحدها: أن الوجه الأول هو الوجه الثاني بعينه، وإنما اختلف التعبير خاصة، هكذا ساقه الأصحاب عند العزو إلى أبي إسحاق، فتفطن لذلك الأمر.
الثاني: أن ما نقله عن تصحيح الفوراني في «الإبانة» صحيح، لكنه صحح في «العمد» الوجه الذي قبله.
الأمر الثالث: أن هذا النقل عن الشيخ أبي حامد نقله عنه في «البيان»، وليس كذلك، بل الصواب- وهو ما نقله في «شرح المهذب» عنه- إنما هو الوجه المتقدم
20 / 67