الثاني، وهو ظاهر كلام الأصحاب والشيخ.
وقال في «الروضة»: المختار: أنه ينوي به سنة الغسل. انتهى كلامه.
فيه أمران:
أحدهما: أنه قد تقرر أن الغسل بنية الغسل المطلق لا يصح، بل لابد أن ينوي الغسل من الجنابة أو فريضة الغسل أو غيرهما من الأمور المشروحة في موضعها، فهذه النية إن تأخرت عن الوضوء لم يحصل له عليه ثواب، ولم يكن وضوءًا شرعيًا. وإن قارنت أوله- وهو ما يدل عليه فحوى كلام المصنف- ارتفعت الجنابة عن المغسول من هذه الأعضاء بلا نزاع، لوجود النية المعتبرة مع ما يجوز غسله، إذ لا ترتيب في الغسل، وبقي عليه سنة التبييت، فلا يتصور ما قاله المصنف من كون نية الغسل تشمله، وقياسه على حصول المضمضة والاستنشاق عند نية الوضوء قياس فاسد، لأن هاتين السنتين محلهما غير محل الواجب، إذ لا يجب إيصال الماء إلى باطن الفم والأنف، وأما نقله ذلك عن الرافعي فإنه ظاهر عبارته، إلا أنه لم يصرح به، بل قال ما معناه: أنه إذا كان جنبًا غير محدث، أو جنبًا محدثًا، وقلنا بالمذهب: وهو اندراج الأصغر تحت الأكبر- فالوضوء من محبوبات الغسل. قال: ولا يحتاج إلى إفراده بنية. هذه عبارته، ونقل النووي في «شرح المهذب» عن الأصحاب: أنه لا فرق في حصول سنة الغسل بين أن يقدم الوضوء كله أو بضعه أو يؤخره أو يفعله في أثناء الغسل، ولكن الأفضل تقديمه. فإن سلم الرافعي ما ذكره النووي فأخره صح أن يقال: إنه لا يحتاج إلى إفراده بالنية، لأنه من سننه ونية الغسل قد تقدمت، ولكن ظاهر كلام الرافعي يشعر بالتقديم لا غير، ولم يرد في الأحاديث الصحيحة غيره، وهو قياس ما ذكروه في سنن الوضوء من اشتراط تقديم غسل الكفين ثم المضمضة ثم الاستنشاق، وعللوه بأنه الوارد في الأحاديث. ثم إن المصنف قد ذكر بعد ذلك- قبيل قول الشيخ: «ثم يدلك» - كلامًا آخر ضعيفًا متعلقًا بما نحن فيه لا يخفى ضعفه على متأمله، فليعلم.
الأمر الثاني: أن ما نقله عن «الروضة» ليس مطابقًا لما فيها، فإنه قد قال: قلت: المختار: أنه إن تجددت الجنابة نوى بوضوئه سنة الغسل، وإن اجتمعنا نوى به رفع الحدث الأصغر، والله أعلم. هذا لفظ «الروضة»، فالذي نقله المصنف عنه إنما ذكره في قسم واحد، وهو أندر القسمين وقوعًا، لأن الغالب في الجنابة أن يصاحبها الحدث، وما ذكره النووي قد سبقه إليه ابن الصلاح في مشكل «الوسيط» وهو حسن
20 / 58