وإلا فقل لا تسترح وترح بها
لئلا يقول الناس إنك كاذب
والمثل يقول أيضا: وعد الحر دين. نعم إنه أكبر الديون، ومن قضى هذا الدين سما وارتفع لأنه يقضي بذلك واجبات الإنسانية ويصون مقامه وكرامته. والرجل الرجل هو من نظر وافتكر فيما وراء قوله: سأصنع كذا. حتى إذا تأكد أنه مستطيع وعد على نية الوفاء، وإلا فلم يضع هذا الغل في عنقه ويحمل نفسه أثقال المطالبة فيتوارى خجلا وحياء عند مرأى الموعود؟ إن الوعد الكموني شين للكرام، وقد وبخ بشار بن برد ممدوحه بقوله:
وعدت فلم تصدق وقلت: غدا غدا
كما وعد الكمون شربا مؤخرا
وهذا المثل العباسي لا يزال على ألسنتنا فنقول: أسقيك بالوعد يا كمون.
وأولى الناس بوفاء الوعد هم الرجال لأنهم إذا تقاعسوا عن وفاء وعودهم حطوا من كرامتهم وجنوا على نفوسهم واستمطروا عليها دعاء الخائب الذي قيدوه بخيط الرجاء الواهي، وتركوه مدلى فوق جب من اليأس تقلبه رياح المطل كيفما مالت، حتى إذا ما قطعته، سقط ذاك المسكين في هوة الخيبة لاعنا من زين له الأماني.
من لا يذكر منا كافورا الإخشيدي والمتنبي الشاعر العظيم؟ فإنه بعد ما مدح صاحب مصر ببيت، لو تمثلنا الشعر العربي، لكان هو بيتها:
فجاءت به إنسان عين زمانه
وخلت بياضا خلفها ومآقيا
Bilinmeyen sayfa