إن هذا الثوب الفضفاض الذي فصلوه في ساعة طمع وكلب هو الذي سبب هذا العسر والغلاء. كان معاش النائب خمسين ليرة فصار خمسماية، ثم جمز جمزة واحدة إلى الألف، وقس على هذا الوظائف الأخرى عالية وواطية. أما العدد فيزيد وينقص حسبما تقضي الأهواء والأغراض.
والولائم لا أول لها ولا آخر، حكومية وشعبية. الحكومة تنفق من كيس الشعب والشعب بطران لا يقتصد، يتشبه بعضه ببعض والتشريفات الشرقية هي طاعون الميزانية. علينا أن نزور ونزار ، وعلينا أن نودع ونستقبل، وفي الحالتين لا بد لنا من إنفاق الملايين لنكون قمنا بواجب ضيوفنا الأعزاء. كل هذا لم تقع عليه عيني في فجر عمري المديد.
إن هذه التقاليد الشرقية، وهذا التقنفش هو الذي أورثنا هذا الضيق. فماذا يضير الضيف لو زارنا وزرناه برفع الكلفة دون أن تهتز الأرض للقائه؟ ترى ألا يصل بالسلامة إلى المكان المقصود إذا لاقته مفرزة من الجنود وأخذت سلامه فصيلة ولم تحشد القوى كلها؟!
ثم ألا يشبع إذا أكل ثلاثة ألوان، عدا الحلوى والفواكه! والمشروب الوطني؟! ألا يصلح لشرب الأنخاب ويساعد على افترار عن الثغر كما تساعد الويسكي والشمبانيا؟! إن كأس خمرة لبنانية معتقة تعبئ الرأس أكثر من الشمبانيا الفرنسية وبنت عمها الويسكي والسكوتشية، ومع ذلك يقول المغني:
ويسكي ما في
في عرق
لحم ما في
في مرق
رحم الله المصلح بنجامين فرنكلن الذي قال: كم من ضيعة ضاعت حين تركت النساء المغزل في سبيل الشاي، وحين ترك الرجال المحراث في سبيل الكأس، أجل إن القرية اللبنانية خلت من سكانها تقريبا، فالخوف والجهل والمرض متآمرون على سلامتها، يتصلون بالمكسيك تليفونيا، والقرية التي تبعد ربع ساعة عن شط البحر لا تتصل بالطبيب ولا تعرف إلا وجه الجابي والمباشر.
فعلى الرءوس أن يكونوا قدوة للشعب ويقللوا من إسرافهم الذي يتشبه به صغار الموظفين، وما أكثر الموظفين في لبنان. تقطع سرة المولود اللبناني على اسم الوظيفة، وقد ينذر لها في البطن كما نذر شمشون الجبار لله. هكذا تحلم الأم اللبنانية بمستقبل ابنها، فليت موسى بدل بعض وصاياه العشر لتصلح للتطبيق في لبنان. لا تشته وظيفة غيرك. لا تشته مال الشعب الذي وكلتك به الحكومة.
Bilinmeyen sayfa