قلت بنفس الشرود: «وماذا عن أقوال الشهود وتقرير الطب الشرعي الخاطئ عن وقت الوفاة؟! أليس هذا مريبا بما يكفي؟» - «لا أحبذ نظرية المؤامرة، أعتقد أن القصة أكثر ببساطة مما تعتقد. إن تقرير الطب الشرعي لا يعطي الوقت الحقيقي للموت، ولكنه وقت ترجيحي. يوجد هامش للخطأ يصل لساعات وأحيانا عدة أيام، فلا بد إذن أنهم قالوا إن الوفاة حصلت في هذا الوقت استنادا إلى أقوال الشهود.» - «حسنا. ولماذا يكذب الشهود؟»
ابتسم ابتسامة عريضة، وهو يضع قدح الشاي على الطاولة، قال لي، وهو يميل إلى الأمام، كأنه يحادث طفلا: «لن أسميه كذبا، لا يوجد أحد سيرى شخصا يقفز من جسر، فينظر إلى ساعته ويدون الوقت، لا بد أن توتر الموقف جعلهم لا ينتبهون للوقت الحقيقي.»
قلت في إصرار: «سيكون هناك اختلاف في رواياتهم على الأقل، لا أن يكون هناك اتفاق على أنها الثالثة تحديدا.»
قال في نفاد صبر: «هناك تفسير معقول غير المؤامرة، أنا واثق من هذا.»
ثم نظر في عيني بتركيز، وأضاف في فضول: «لكن دعك من هذا، وأخبرني: لماذا تهتم بقصة هذا الفتى إلى هذا الحد؟»
قلت له في صدق: «حقا لا أدري».
قال ضاحكا: «حتى أنت يا بروتوس. الدكتور جمال عبد الرحمن شخصيا وبخبرته الطويلة في علم النفس لا يستطيع فهم نفسه! إذن فليمت قيصر.»
قلت: «إن النفس البشرية لا تزال لغزا محيرا بالنسبة لنا، وما زال علم النفس طفلا يحبو ويحاول الفهم. تشبه دغلا متشابك الأغصان، كلما أضأنا منه جزءا واجهتنا أجزاء أخرى أكثر تشابكا وغموضا، لم نر بعد إلا الجزء البارز من جبل الجليد. لكن أعتقد أنني ربما أشعر نحوه بالتزام أدبي ما.»
راح الدكتور «أحمد» يتحدث، بينما كنت أتابعه بنصف ذهن، لا بد أن ساعة قد مرت قبل أن أسمعه يتمتم بعبارات وداعية، ويقول شيئا عن مرضى نسي عنهم كل شيء وعليه العودة، ودعته ثم عدت للجلوس خلف المكتب شاردا.
رن جرس الهاتف فجأة حتى أجفلت، رددت على الهاتف متوجسا (لا أدري لماذا). - «ألو.» - «هل هذا رقم د. جمال عبد الرحمن؟» - «نعم.» - «أنا إبراهيم.» - «إبراهيم من؟» - «إبراهيم آدم، صديق عمار. لقد زرتني في المنزل قبل يومين.» - «إبراهيم، اعذرني لوقاحة جهلي. هل تحصلت على عنوان أي من أقربائه بعد؟»
Bilinmeyen sayfa