[المتن]
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) . ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) . ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ) 0
وبعد :
فهذه رسالة لطيفة للشيخ العلامة نعمان خير الدين الالوسي (1252-1317ه) عنوانها الحباء في الايصاء ، تمثل بحثا محررا في أحكام الوصية والايصاء التقطه مؤلفه من رد المحتار على الدر المختار للعلامة الفقيه ابن عابدين الحنفي 0
ترجمة المؤلف :
Sayfa 1
هو الشيخ العلامة الفقيه خاتمة المحققين (1) خير الدين نعمان بن أبى الثناء السيد محمود المفتى المفسر ابن السيد عبد الله أبو البركات البغدادي الآلوسي الحسني الحسيني الحنفي المذهب ، السلفي العقيدة 0 ولد ببغداد في 12 المحرم من سنة 1252ه (30/4/1836م) ، ونشأ بها ، وولي القضاء في بلاد متعددة منها : الحلة، فسار سيرة مرضية حمد عليها وحبب إلى القلوب، وزار مصر في طريقه إلى الحج ، ورحل إلى سورية وبلاد الأناضول واجتمع بفضلائها ، ثم قصد القسطنطينية ، فحاز إعجابهم ، وعاد يحمل لقب رئيس المدرسين بالمدرسة المرجانية ، وكان شغوفا بالمطالعة وميالا إلى جمع الكتب النادرة ، وجمع خزانة كتب نادرة(1) 0 والأسرة الآلوسية مشهورة في العراق تنسب إلى آلوس قرية على الفرات قرب عانات ، نبغ فيها علماء وأدباء منهم السيد محمود والد نعمان المذكور ، كان معروفا بالفضل والأدب وجودة الخط وقوة الحافظة 0 يحكى عنه قال : ما استودعت ذهني شيئا فخانني(1)0
قال أحمد مترجميه : " ولد في أرض التعصب الأعمى الذميم تحت سماء الجور والاعتساف ولكنه نشأ بفطرته حر الضمير نير البصيرة وربي على الآداب الإسلامية الفاضلة فشب مسلما عاقلا فاضلا غيورا على مصالح الأمة والوطن والدين " (2)0
وقال العلامة محمد بهجة الأثري (1320-1417ه ): " كان عقله أكبر من علمه ، وعلمه أبلغ من إنشائه ، وإنشاؤه أمتن من نظمه . وكان جوادا وفيا ، زاهدا ، حلو المفاكهة ، سمح الخلق " (3)0
توفي يوم السابع من المحرم سنة 1317ه (29/5/1899م) في مدرسته بجانب مرقد مرجان تحت القبة وكان نبأ وفاته شديدة الوطأة على عارفي فضله ونبله (4) 0
من شيوخه :
Sayfa 3
والده العلامة المفسر أبو الثناء الالوسي ، والسيد العلامة المفسر صديق حسن خان (ت1307ه ) ، والشيخ علي علاء الدين الموصلي ، والشيخ احمد عبيد العطار محدث الشام في عصره (ت1218ه ) ، والعلامة حسين بن محسن الانصاري السبعي اليماني(ت1327ه ) ، والعلامة الفقيه عبد الغني الميداني الحنفي(ت1268ه ) ، والسيد احمد بن عيسى النجدي الحنبلي (ت1329ه) ، والعلامة الفقيه محمود بن حمزة الدمشقي الحمزاوي الحنفي (ت1305ه ) ، والشيخ عبد الرحمن الكزبري محدث الشام ، والسيد حسين البوجعدي العذري (ت1322ه ) وغيرهم ممن لهم الباع الطولى في العلوم الشرعية في عصرهم 0
من تلاميذه :
ولداه : الشيخ علي علاء الدين (ت1340ه ) ، ومحمد ثابت (ت1329ه ) 0
الشيخ العلامة المحدث شمس الحق العظيم أبادي شارح سنن أبي داود (ت1329ه )0
السيد العلامة عيسى صفاء الدين البندنيجي ( ت1282ه ) 0
السيد خضر بن يوسف البغدادي العاني ( ت1345ه ) 0
العلامة المحدث السيد عبد الكريم بن عباس الازجي الشيخلي الحسني أبو الصاعقة ( ت 1379ه) 0
له التآليف النافعة الكثيرة منها :
جلاء العينين في مجلد مطبوع بمصر . الجواب الفسيح في رد عبد المسيح في مجلدين مطبوع في لاهور . الحباء في الايصاء رسالة في الوصية ، سلس الغانيات في ذوات الطرفين من الكلمات في علم اللغة . شقائق النعمان في العقائد . الطارف والتالد في إكمال حاشية سيدنا الوالد على شرح القطر . غالية المواعظ في حزئين مرتب على خمسين مجلسا مطبوع بمصر ، الأجوبة النعمانية عن الاسئلة الهندية - في العقائد 0
نسبة المخطوط :
لا شك في نسبة المخطوط إلى مصنفه ، وممن عزاه إليه العلامة إسماعيل باشا البغدادي (1) 0
والمخطوط مما طبعه ابنه السيد علي علاء الدين الآلوسي في الآستانة سنة 1328 ه 0
وصف المخطوط :
Sayfa 4
تقع في 9 ورقات ، قياسها 24 ×16 سم ، تحمل الرقم 10/9526 بخط علي بن محمد حسن الايرواني على نسخة المؤلف سنة 1311ه مجاميع ، وهي النسخة المعتمدة في التحقيق 0
ومنه نسخة أخرى استكتبها المؤلف مقابلة عليه سنة 1320ه تقع في 7 ورقات ، مسطرتها 28 ×20 سم تحمل الرقم 5690 مجاميع ، وكلاهما في مكتبة الأوقاف(1) 0
عملنا في المخطوط :
1 0 ضبط النص ، ومقارنة نصوصه بالأصول التي أخذ منها 0
2 0 التعليق على بعض المواطن ، تكميلا للفائدة 0
3 0 تخريج الأحاديث النبوية الواردة في الأصل 0
4 0 ترجمة بعض الأعلام إذا تعلق بالترجمة فائدة ترجع إلى الأصل 0
5 0 الإحالة إلى المصادر المعتمدة للزيادة في الإيضاح 0
والله الموفق لا رب سواه ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله صحبه وسلم 0
{ النص المحقق }
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله المبدي المعيد ، المتفضل بالعفو ومن عنده المزيد ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء ، وآله وصحبه الأوصياء الأمناء ، ولائمة المجتهدين الذين هم نجوم الاهتداء في الدين 0
أما بعد :
Sayfa 5
فلما كنت السنة الحادية والثلثماية بعد الألف من هجرة ذي الرسالة والشرف ، في دار الخلافة القسطنطينية ، حماها الله تعالى من كل محنة ، وحفظها من كل فتنة ، وأدام خليفتها الأعظم في الملة الإسلامية ، امرني حضرة صدرها الأعظم ، الوزير الافخم ، صاحب الدولة والأبهة والعطوفة ، مشهور الآفاق بالفضايل المعروفة ، خير الدين باشا التونسي (1)، لا برحت الألطاف الإلهية خافقة عليه حينما يصبح ويمسي ، أن الخص له أبحاثا من كتب الأئمة والفقهاء ، تتعلق بإسقاط ما في الذمة ، وصلوات كانت واجبة الأداء ، وشيئا من مباحث الايصاء ، موضحا لما كتبه شيخ مشايخنا العلامة السيد محمد أمين بن عابدين (2) ، لا برحت أعماله المتصلة تملى عند الكرام الكاتبين ،فشرعت في ذلك مرتبا لما هنالك على مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة ، نسأل الله تعالى حسنها ، عندما تقرب شمس الحياة من الأفول ، ومنه سبحانه الهداية في البداية والنهاية 0
فأقول : المقدمة في الإيصاء
أجمع العلماء أن الوصية مستحبة حال الصحة ، لكل من له مال أو عنده لأحد مال وعلى تأكدها في المرض (1)0
Sayfa 7
فقد اخرج الشيخان والجماعة عن ابن عمر ( رضي الله تعالى عنهما ) {1/أ} أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :" ما حق امرئ مسلم أن يبيت ليلتين ، وله شيء يريد أن يوصي فيه ، إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه " (2) 0 ورواه الطحاوي بلفظ : " لا يحل لامرئ مسلم له مال 000 " (3) 0 وقال الإمام الشافعي : " معنى الحديث ما الحزم والاحتياط للمسلم إلا أن تكون وصيته مكتوبة عنده " (1) ، وفي رواية : ليلة أو ليلتين ، وفي أخرى ثلاث ليال ، قال الحافظ ابن حجر : " وكان ذكر الليلتين والثلاث لرفع الحرج ، لتزاحم أشغال المرء التي يحتاج إلى ذكرها ففسح له بهذا القدر ليتذكر ما يحتاج إليه ، واختلاف الروايات فيه دال على انه للتقريب ، لا للتحديد ، والمعنى لا يمضي عليه زمان وان كان قليلا إلا ووصيته مكتوبة ولذلك قال ابن عمر : " لم أبت ليلة منذ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك إلا ووصيتي عندي " (2) 0
وقد استدل بهذا الحديث مع قوله تعالى : ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت ..الآية ) ( البقرة :180 ) ، جماعة من السلف على وجوب الوصية ، وحكاه البيهقي عن الشافعي في القديم ، وبه قال داود وابن جرير وآخرون 0 وذهب الجمهور إلى أنها مندوبة ، وأجابوا عن الآية بأنها منسوخة0
Sayfa 8
وقد اختلف القائلون بالوجوب فقال أكثرهم : تجب الوصية في الجملة 0 وقال آخرون : تجب للقرابة الذين لا يرثون خاصة 0وقال بعضهم : وجوب الوصية في الآية والحديث يختص بمن عليه حق شرعي ، يخشى أن يضيع على صاحبه إن لم يوص به كالوديعة والدين ونحوهما(3) 0 قال(1) : وعرف من مجموع ما ذكرنا أن الوصية قد تكون واجبة ، وقد تكون مندوبة ، فيمن رجا منها كثرة الأجر ، ومكروهة في عكسه ، ومباحة فيمن استوى الأمران فيه ، ومحرمة كما ثبت عن ابن عباس ( رضي الله تعالى عنهما ) : " الإضرار في الوصية من الكبائر " رواه سعيد بن منصور موقوفا ، والنسائي مرفوعا (2) 0 وعن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) ، عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الرجل ليعمل أو المرأة بطاعة {1/ب} الله تعالى ستين سنة ، ثم يحضرهما الموت فيضارون في الوصية ، فيجب لهما النار " 0 ثم قرأ أبو هريرة : ( من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار وصية من الله 000 الآية ) ( النساء :12 ) 0 رواه أبو داود والترمذي (1) 0
وروى الإمام احمد وابن ماجه : " إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة ، فإذا أوصى حاف في وصيته فيختم له بشر عمله ، فيدخل النار ، وان الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة فيعدل في وصيته ، فيدخل الجنة " (2) 0
وقد استدل من قال بعدم وجوب الوصية بما ثبت في صحيح البخاري وغيره عن عائشة ( رضي الله تعالى عنها ) أنها انكرت أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصى ، قالت :" متى أوصى وقد مات بين سحري ونحري" (3) 0
قالوا : ولو كانت الوصية واجبة لما تركها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - 0
واجيب :
Sayfa 10
بان المراد بنفي الوصية منه - صلى الله عليه وسلم - نفي الوصية بالخلافة لا مطلقا ، بدليل انه قد ثبت عنه- صلى الله عليه وسلم - الوصية بعدة أمور كأمره - صلى الله عليه وسلم - في مرضه لعائشة بإنفاق الذهيبة ، كما ثبت من حديثها (1) 0
وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة كما في المغازي لابن إسحاق قال : " لم يوص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند موته إلا بثلاثة لكل من الداريين والرهاويين والاشعريين بجاد(2) مائة وسق من خيبر ، وان لا يترك في جزيرة العرب دينان ، وان ينفذ بعث أسامة " (3) 0
Sayfa 11
وفي صحيح مسلم عن ابن عباس( رضي الله تعالى عنهما ) : " وأوصى بثلاث : أن يجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم 000 " الحديث (4) 0 واخرج الإمام احمد والنسائي عن انس ( رضي الله تعالى عنه ) : " كانت غاية وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين حضره الموت الصلاة وما ملكت أيمانكم " (1) 0
واستدلوا أيضا على توجيه نفي من نفى الوصية مطلقا إلى الخلافة بما في صحيح البخاري عن عمر ( رضي الله تعالى عنه ) قال : " مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يستخلف " (2) 0
وبما أخرجه احمد {2/أ} والبيهقي(3) عن علي كرم الله تعالى وجهه لما ظهر يوم الجمل قال : " يا أيها الناس إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يعهد لنا في هذه الإمارة شيئا 000 " الحديث (4) 0
Sayfa 12
واعلم : أن الوصية لا تجوز لوارث (5)، ولا تجوز إلا بالثلث ، أو اقل منه 0(6) روى الجماعة عن سعد بن آبي وقاص ( رضي الله تعالى عنه ) انه قال : " جاءني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعودني من وجع اشتد بي فقلت : يا رسول الله إني قد بلغ بي من الوجع ما ترى ، وأنا ذو مال ، ولا يرثني إلا ابنة لي افأتصدق بثلثي مالي ؟ قال : لا 0 قلت : فالشطر يا رسول الله ؟ قال : لا0 قلت : فالثلث ؟ قال : الثلث والثلث كثير ، أو كبير ، انك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس " (1) 0 وعن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الله تعالى تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في حسناتكم ، ليجعل لكم زيادة في أعمالكم " رواه الدارقطني (1) 0 وروى الإمام احمد وأبو داود عن أبي زيد الأنصاري أن رجلا اعتق ستة اعبد عند موته ليس له مال غيرهم فاقرع بينهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فاعتق اثنين ،وأرق أربعة 0وفي رواية قال فيه : " لو شهدته قبل أن يدفن ، لم يدفن في مقابر المسلمين " (1) 0
وقد اخذ بالقرعة الإمام احمد وغيره (2)وعند الإمام أبي حنيفة : يعتق من كل واحد ثلثه ، ويستسعى في باقيه(3).
Sayfa 15
وروى الجماعة عن أبي أمامة قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن الله تعالى قد أعطى كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث " (1) 0
وعن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تجوز وصية لوارث إلا أن يشاء الورثة - وفي رواية - إلا أن يجيز الورثة " (2) 0
Sayfa 16
وكذا قال العلماء في الزائد على الثلث : إذا أجازته الورثة فانه يصح ، ومن الناس من جوز {2/ب }الوصية للوارث مستدلا بقوله تعالى : ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين ) ( البقرة :180 ) 0 قال :ونسخ الوجوب لا يستلزم نسخ الجواز ، وعند جمهور العلماء إنها منسوخة بحديث ابن عباس المتقدم ، وأما للقرابة الذي هو غير وارث فجائزة بالاتفاق (1) 0
واعلم أيضا : أن الصدقة في الحياة والصحة أفضل ، فقد روى الجماعة عن أبي هريرة ( رضي الله تعالى عنه ) انه قال : " جاء رجل فقال : يا رسول الله أي الصدقة أفضل وأعظم أجرا ؟ قال : أما وأبيك لتفتأن ، أن تصدق وأنت شحيح صحيح تخشى الفقر ، وتأمل البقاء ، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت : لفلان كذا ، وقد كان لفلان " (2) 0
Sayfa 17
وقوله : لتفتأن بفتح اللام وضم الفوقية وسكون الفاء وبعدها فوقية أيضا ، ثم همزة مفتوحة ، ثم نون مشددة ، وهو من الفتيا (3)، وفي نسخة : لتنبأن من النبأ ،وتصدق بتخفيف الصاد على حذف إحدى التائين ، واصله أن تتصدق ، والتشديد على الإدغام 0 وفي معنى الحديث : قوله تعالى :( وانفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت 00 الآية ) ( البقرة :254 ) وفي معناه أيضا ما أخرجه الترمذي : " مثل الذي يعتق ويتصدق عند موته مثل الذي يعتق ويتصدق عند موته ، مثل الذي يهدي إذا شبع " (1) 0
واخرج أبو داود من حديث أبي سعيد مرفوعا : " لأن يتصدق الرجل في حياته وصحته بدرهم خير من أن يتصدق عند موته بمائة " (2) 0
الفصل الأول : في الايصاء بالفدية والصوم والصلاة والحج عن الميت ونحو ذلك
اعلم : إن العلماء رحمهم الله تعالى اختلفوا في بعض ذلك ، فلنذكر ما ورد من الأحاديث ، وأقوال الأئمة مما يتعلق بما هنالك :
Sayfa 18
عن ابن عباس ( رضي الله تعالى عنهما ) قال :" إن امرأة قالت : يا رسول الله إن أمي ماتت ، وعليها صوم نذر ، فأصوم عنها ؟ فقال : أرأيت لو كان {3/أ} على أمك دين فقضيت ، أكان يؤدى ذلك عنها ؟ 0 قالت : نعم 0 قال : فصومي عن أمك " أخرجاه في الصحيحين (1) 0وفي رواية : " أن امرأة ركبت البحر فنذرت إن الله تعالى نجاها ،أن تصوم شهرا ، فأنجاها الله تعالى ، فلم تصم حتى ماتت ، فجاءت قرابة لها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك فقال : صومي عنها " أخرجه احمد والنسائي وأبو داود (2) 0
Sayfa 19
وعن عائشة ( رضي الله تعالى عنها )أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من مات وعليه صيام ، صام عنه وليه " متفق عليه (3) 0 وعن بريدة ( رضي الله تعالى عنه ) قال : " بينا أنا جالس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ أتته امرأة فقالت : إني تصدقت على أمي بجارية ، وأمنا ماتت 0 فقال : وجب أجرك ، وردها عليك الميراث 0 قالت : يا رسول الله انه كان عليها صوم شهر افأصوم عنها ؟ قال : صومي عنها 0 قالت : إنها لم تحج قط أفأحج عنها ؟0 قال : حجي عنها " رواه احمد ومسلم وأبو داود (1) 0 واستدل أصحاب الحديث وجماعة من محدثي الشافعية واحمد بن حنبل ، والشافعي في احد قوليه (1)بهذه الأحاديث على أن الولي يصوم عن الميت إذا مات وعليه صوم ، أي صوم كان ، والجمهور على أن صوم الولي عن الميت ليس بواجب 0 وذهب بعض أهل الظاهر إلى وجوبه ، وذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي في الجديد إلى انه لا يصام عن الميت مطلقا (1) 0
وتمسك المانعون مطلقا بما روي عن ابن عباس انه قال : " لا يصل احد عن احد ، ولا يصم احد عن احد " أخرجه النسائي (2) 0
واخرج عبد الرزاق عن عائشة قالت : "لا تصوموا عن موتاكم ، وأطعموا عنهم " (3) 0
قالوا : فلما أفتى ابن عباس وعائشة بخلاف ما روياه دل ذلك على أن العمل على خلاف ما روياه (4)0
Sayfa 22
قال في الفتح (5): " اختلف المجيزون في {3/ب} المراد بقوله : "وليه " ، فقيل : كل قريب 0 وقيل : الوارث خاصة 0 وقيل : عصبته 0 واختلفوا هل يختص ذلك بالولي أم لا يختص به ، فلو أمر أجنبيا بأن يصوم عنه أجزأ ، وقيل : يصح استقلال الأجنبي بذلك ، وظاهر صنيع البخاري اختيار هذا الأخير ، وبه جزم أبو الطيب الطبري (1) وقواه بتشبيهه - صلى الله عليه وسلم - ذلك بالدين ، والدين لا يختص بالقريب " انتهى 0
قال في نيل الاوطار (2): " وظاهر الأحاديث انه يصوم عنه وليه ، وان لم يوص بذلك " انتهى 0
Sayfa 23
وأما الحج فقد ورد فيه أيضا أحاديث في الصحاح منها : عن ابن عباس ( رضي الله تعالى عنهما ) أن امرأة من جهينة جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت ، أفأحج عنها ؟قال : نعم ، حجي عنها ، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته ، اقضوا الله ، فالله أحق بالوفاء " رواه البخاري (3) 0 وعن ابن عباس قال : " أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل فقال : إن أبي مات ، وعليه حجة الإسلام أفأحج عنه ؟ قال : أرأيت لو أن أباك ترك دينا عليه ، أفقضيته عنه ؟ قال : نعم 0 قال : فاحجج عن أبيك " 0 رواه الدارقطني (1) 0
وروى أبو داود عن ابن عباس أيضا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -جاءته امرأة من خثعم تستفتيه فقالت : " يا رسول الله إن فريضة الله تعالى على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه ؟ قال : نعم ، وذلك في حجة الوداع " (2) 0
Sayfa 24
قال الخطابي : في هذا الحديث بيان جواز حج الإنسان عن غيره حيا وميتا ، وانه ليس كالصلاة والصيام وسائر الأعمال البدنية التي لا تجزي فيها النيابة والى هذا ذهب الشافعي ، وكان مالك لا يرى ذلك ، وقال : لا يجزئه إن فعل وهو الذي روى حديث ابن عباس ، وكان يقول في الحج عن الميت إن لم يوص(3){4/أ} به الميت : إن تصدق عنه واعتق أحب إلي من أن يحج عنه 0 وكان إبراهيم النخعي وابن أبي ذئب يقولان : لا يحج احد عن احد (1)، والحديث حجة على جماعتهم ، وحكي عن مالك وأبي حنيفة أنهما قالا : الزمن لا يلزمه فرض الحج ، إلا أن أبا حنيفة قال : إن لزمه الفرض في حال الصحة ثم زمن لم يسقط عنه بالزمانة ، وقال مالك : يسقط(2) 0
Sayfa 25
واستدل الشافعي بخبر الخثعمية على وجوب الحج على المعضوب(3) الزمن ، إذا وجد من يبذل له طاعة من ولد أو ولد ولد " (4) انتهى باقتصار 0 وقال في نيل الاوطار (1): " إن الحديث المتقدم فيه دليل على إجزاء الحج عن الميت من الولد وكذلك من غيره ، ويدل على ذلك " اقضوا الله فالله أحق بالوفاء " وروى سعيد بن منصور وغيره عن ابن عمر بإسناد صحيح انه لا يحج احد عن احد ، ونحوه عن مالك والليث ، وعن مالك : إن أوصى بذلك فليحج عنه والا فلا ، وفي الحديث دليل على أن من مات وعليه حج وجب على وليه أن يجهز من يحج عنه من رأس ماله ، كما أن عليه قضاء ديونه ، وقد اجمعوا على أن دين الآدمي من رأس المال ، فكذلك ما شبه به في القضاء ، والحق بالحج كل حق ثبت في ذمته من نذر أو كفارة أو زكاة ، أو غير ذلك " انتهى 0
واعلم : أن الاستيجار على الطاعات لا يصح كالحج ونحوه ، وما يأخذه المأمور بالحج إنما يأخذه بطريق الكفاية لا العوض عن تعبه وبنى عليه انه يجب رد الزائد من النفقة ، وان يشترط إنفاقه بقدر كمال الأمر ، وان يتصرف فيه على ملك الآمر ، حيا كان أو ميتا، معينا كان القدر أو لا (2) 0
وعن عبد الله بن عمرو أن العاص بن وائل نذر في الجاهلية أن ينحر مائة بدنة ، وان هشام بن العاص نحر حصته خمسين ، وان عمرا سئل النبي- صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال : " أما أبوك فلو اقر بالتوحيد ، فصمت ، وتصدقت عنه {4/ب}نفعه ذلك " رواه الإمام احمد (3) 0
Sayfa 26
وعن ابن عباس أن رجلا قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن أمي توفيت أينفعها إن تصدقت عنها ؟ قال : نعم 0 قال : فان لي مخرفا - أي حديقة من النخل- فاني أشهدك أني تصدقت به عنها " رواه البخاري والترمذي وأبو داود والنسائي (1) 0
وعن الحسن عن سعد بن عبادة أن أمه ماتت فقال : يا رسول الله إن أمي ماتت فأتصدق عنها ؟ قال : نعم 0 قلت : فأي الصدقة أفضل ؟ قال : سقي الماء 0 قال الحسن : فتلك سقاية آل سعد بالمدينة 0 رواه احمد والنسائي (2) 0
فان قلت (3): إن الأحاديث تدل على إن الصدقة من الولد تلحق الوالدين بعد موتها من دون وصية منهما ، وقوله تعالى : ( أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى أن لا تزر وازرة وزر أخرى ، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) (سورة النجم :36 - 39)يفيد بظاهره عدم الوصول 0 فما الجواب عن ذلك ؟
قلت : ذكر العلماء انه سيجاب عنها بوجوه ، ففي روح المعاني - تفسير والدنا - تغمده الله تعالى برحمته ما ملخصه : إن قوله تعالى : ( وان ليس 000) الخ بيان لعدم إثابة الإنسان بعمل غيره اثر بيان عدم مؤاخذته بذنب غيره ، واستشكل بأنه وردت أخبار صحيحة بنفع الصدقة وغيرها عن الميت كالأحاديث المتقدمة 0
Sayfa 27