ويقول بعض المعاصرين إن طلب وولزي الذهاب إلى لنكن رغم طموحاته السياسية الكبيرة من أهم الدلائل على ذكائه الأصيل ودهائه الفطري؛ إذ كان يريد أن يكون الملك هو الذي يسعى إليه ويطلبه حين يشعر بالعجز في غيابه عنه، وهكذا فلم تمض شهور على تعيينه أسقفا لكاتدرائية لنكن (فبراير 1514م) حتى عينه الملك (عن طريق البابا بطبيعة الحال) أسقفا لكاتدرائية بورك (سبتمبر 1514م) تمهيدا لتحقيق ما كان وولزي يطمح فيه حقا وهو أن يكون كاردينالا - والكاردينال هو أعلى منصب ديني يمكن للبابا أن يمنحه. وفعلا أصبح وولزي الكاردينال العظيم في عام 1515م.
ويقول بعض المؤرخين إن فطنة وولزي جعلته يضع الأسس اللازمة لاستمرار النصر الذي تحقق على الفرنسيين، وذلك بالتمهيد لعقد صلح مع فرنسا، فاقترح تزويج لويس الثاني عشر من ماري شقيقة هنري، وكتب التاريخ حافلة بالأحابيل التي لجأ إليها لتحقيق هذه الغاية، فهي حقا مما يطمح إليه كل ملك منتصر، لا لاستتباب السلم فحسب بل للاحتفاظ بوقع النصر وأصدائه في القارة؛ إذ أصبح هنري الثامن وهو في شرخ الشباب ملكا مرهوب الجانب، وأصبحت أوروبا تتطلع إليه بعيون حذرة.
ولكن السلم الذي ساد مؤقتا لم يكن قائما على الأسس التي تكفل استمراره، وأهمها القوة الاقتصادية اللازمة لإعداد الجيش وتجهيزه؛ فالمعروف أن الملوك آنذاك لم يكن لديهم «جيش نظامي» بالمعنى الحديث للتعبير، ولكنهم كانوا يقومون بتعبئة الجنود عن طريق النبلاء والأشراف عندما ينشأ ما يدعو لشن حملة ما أو للدفاع عن البلد ضد الغزاة، وكان كبار الضباط من ذوي الخبرة في تنظيم المعارك وفنون القتال ثم الذين يتولون هذه التعبئة في العادة؛ ولذلك فهم دائما على صلة بالقيادة السياسية التي كانت تتمثل في المجلس الملكي الخاص
وفي رئيسه الذي يتمتع بحظوة كبيرة لدى الملك، فإذا علمنا أن السلطة الفعلية كانت في أيدي كبار رجال الكنيسة الذين يتمتعون بعضوية هذا المجلس، ليس بسبب سطوتهم الدينية فحسب بل أيضا بسبب ثرائهم الفاحش، أدركنا أن وصول وولزي إلى منصب الكاردينالية كان معناه جمع خيوط السلطة في يده، وهكذا لم يكن من المستغرب أن يعينه الملك رئيسا للمجلس في ديسمبر عام 1515م، فيصبح بهذه الصفة رئيسا للوزراء بتعبيرنا الحديث (أو الوزير الأول بالتعبير التونسي) أو الوزير وحسب بتعبير العرب القدماء، وكان اسم المنصب آنذاك هو
Chancellor
واسمه بالكامل هو
Lord Chancellor of England ، وهي الكلمة التي أسيئ فهمها بسبب الخلط بينها لدينا وبين كلمة
counsellor
بمعنى المستشار (في الخارجية) وكلمة
councillor
Bilinmeyen sayfa