قال: «لا تنظري للأمور على هذا النحو.»
بدا لي كل منعطف نمر به وكأنه يحطم ما تبقى من حياتي.
كان هناك قطار متجه إلى تورونتو في الخامسة مساء. طلب مني أن أنتظر في السيارة بينما ذهب هو كي يتحقق من الموعد. عاد وهو يحمل التذكرة في يده وخيل إلي أنه كان يخطو بخطوات أكثر خفة، ولا بد أنه لاحظ ذلك؛ حيث أصبحت خطواته أكثر رصانة حين أخذ يقترب من السيارة. «إن الطقس لطيف ودافئ في المحطة، وهناك غرفة انتظار خاصة للسيدات.»
وفتح لي بعدها باب السيارة. «أم تفضلين أن أنتظر وأودعك؟ ربما يكون هناك مكان يمكننا أن نتناول فيه فطيرة تفاح شهية؛ فقد كان العشاء الذي تناولناه فظيعا.»
أثارني حديثه هذا بعض الشيء، فغادرت السيارة وتقدمته في السير نحو المحطة، وأشار إلى غرفة انتظار السيدات. تفاجأ بما فعلت وحاول أن يمزح معي للمرة الأخيرة. «ربما في يوم من الأيام تعتبرين أن هذا اليوم هو واحد من أكثر أيام حياتك حظا.» •••
وقع اختياري في غرفة الانتظار على مقعد كان يواجه أبواب المحطة الأمامية؛ حتى يمكنني رؤيته إن عاد مرة أخرى؛ فربما يعود ليخبرني أن ما فعله كان مجرد مزحة، أو هو نوع من الاختبار لي تماما كما يحدث في بعض المسرحيات التي تعود للقرون الوسطى.
أو ربما غير رأيه بعدما قاد سيارته عبر الطريق السريع، ورأى ضوء شمس الربيع وهي تلقي بضوئها الخافت على الصخور التي كنا نشاهدها معا منذ وقت قريب، وبمجرد أن أدرك مدى حماقته تراجع في منتصف الطريق وعاد إلي مسرعا.
مرت ساعة على الأقل قبل دخول قطار تورونتو إلى المحطة، لكنني بالكاد شعرت بما مر من وقت، وما زالت الخيالات تجتاح عقلي إلى الآن. صعدت على متن القطار كما لو أن هناك قيودا تكبل كاحلي. ألصقت وجهي بالنافذة وأخذت أتطلع إلى رصيف المحطة حيث كانت الصافرة تعلن عن رحيل القطار. حتى في تلك اللحظة، قد لا يكون الأوان قد فات كي أقفز من القطار؛ أقفز بحرية وأهرول عبر المحطة إلى الشارع حيث ركن سيارته لتوه وراح يصعد الدرج معتقدا هو الآخر أن الوقت لم يفت، ويبتهل بألا يكون قد فات الأوان بالفعل.
وأركض كي ألتقي به، فلم يفت الأوان بعد.
ما كل هذا الهرج والصياح والصراخ الذي لم يكن صادرا عن شخص واحد بل مجموعة من الأشخاص المتأخرين وهم يتخبطون بين المقاعد. كانوا مجموعة من فتيات المدرسة الثانوية في زيهن الرياضي، ولم يأبهن بما يسببنه من إزعاج. شعر المحصل بالاستياء وحثهن على الإسراع بالجلوس بينما كن يندفعن نحو مقاعدهن.
Bilinmeyen sayfa