Hayat ve Hareket Fikriye İngiltere
الحياة والحركة الفكرية في بريطانيا
Türler
فعلوا ذلك أيها السادة، وبالغوا فيه كما سترون، حتى لقد استهدفوا من أجله لتنديد أكثر البلاد؛ وما ذلك إلا لأن تلك البلاد لم تكن تفهم أول الأمر من أسرار الروح الرياضية ما فهمه الإنجليز، ولعلها فهمته اليوم حق الفهم، وفهمت ضمنا أن هذا الشعب العملي كان على حق حينما عني بالألعاب هذه العناية كلها، وحين أحلها من برامج تعليمه المحل الأول، وحين لم يعتبرها - كما لا يزال يعتبرها كثير من الناس - ميادين لهو مبتذل، وأنها مضيعة للوقت، ومعينة على بلادة الذهن، بل ومفسدة للأخلاق أيضا.
ولنر الآن ما هي تلك القيود والقوانين التي شرعتها التقاليد الرياضية الإنجليزية، وأحاطت بها الميادين واللاعبين، ولست بذاكر نصوصا ولا مواد، بل إني سأسوق بعض حوادث وقع شيء منها لي، وشيء لغيري، وأشياء عامة أخرى، وأرجو أن يكون فيها غناء، وأن تستخلصوا منها مدى تقدير القوم لهذه الألعاب تقديرا يتسامى إلى مقام التقديس.
فقد حدث أني لما كنت ملتحقا بالفريق الثاني لكرة القدم بكليتي «أكسفورد» أن استقرت الكرة يوما بين قدمي وأنا قريب من المرمى، فأوعز إلي رئيس الفرقة ألا أمس الكرة وأن أدعها لزميلي الذي كان عن يميني، فلم أفعل وصوبت الكرة نحو المرمى، ولكنها لم تصب الهدف، وفي أثناء الراحة أقبل رئيس الفرقة علي، وأخبرني أني أخطأت في عدم الاستماع إليه، ولفتني إلى ألا أخالف أمره مرة أخرى، واتفق في أثناء الشوط الثاني أن استقرت الكرة ثانية بين قدمي في اللحظة التي كنت فيها أواجه الهدف، فأوعز إلي الرئيس - كما فعل أول مرة - أن أتركها لزميل آخر، فلم أستمع لرأيه، وضربت الكرة ضربة موفقة فأصابت الهدف، وفرحت أيما فرح - وكنت إذ ذاك مرشحا لأن أنتقل من الفريق الثاني إلى الفريق الأول للكلية - وقدرت أني لا شك مدرك هذه الترقية، وخاصة بعد أن أصبت الهدف ونصرت فريقي، ولكن شد ما كان عجبي واندهاشي حينما ناداني الرئيس بعد انتهاء اللعب، وأخبرني أنه يأسف أولا لعدم إطاعتي للأمر في كلتا الحالتين، ويأسف ثانيا لأنه يرى نفسه مضطرا للاستغناء عني حتى في الفريق الثاني، فجادلته محتجا بأني في المرة الثانية أصبت الهدف، وبفضلي انتصر الفريق، فقال لي بصوت هادئ متزن: «قد يكون الانتصار رغبتنا الشديدة في اللعب، ولكن قبل ذلك يجيء النظام.»
وحدث في أثناء المباريات الأوليمبية التي أقيمت بمدينة استكهولم سنة 1916 أن كان بين أفراد فريق للألعاب الرياضية عداء ماهر ملأت شهرته الأسماع، وأبهر الصحف لما أبدى في فنه من تفوق بعد تفوق، وكان مزمعا بالطبع أن تشترك الفرقة في المباراة الدولية، وكان مقدرا كذلك أن يأتي هذا العداء بنتائج ترفع من شأن فرقته وبلاده، وكان محتما على أعضاء هذا الفريق أن يكونوا في مخادعهم في تمام الساعة العاشرة ليلا، ولكن لأمر ما تأخر هذا العداء في إحدى الليالي نصف ساعة عن الموعد المقرر للنوم، فما كان من رئيس الفرقة إلا أن أعاده فورا إلا بلاده على ظهر أول باخرة أبحرت إليها.
ولعلكم تعلمون أيها السادة أن طالب العلم في جامعة أكسفورد أو كمبردج؛ ليعتز جد الاعتزاز إذا ما اختارته جامعته ليمثلها في لعبة من الألعاب الرياضية، وليس من عجب أن يخالجه، وهو الذي يمثل نحوا من ثلاثة آلاف طالب أو يزيد، شعور خفي ببطولته الرياضية لتفوقه في هذه اللعبة على أقرانه أجمعين، ولكن هذا الانتخاب الإجماعي لا يكفي لتمتع الطالب بشرف المباراة إذا أعوزه جانب ظاهر أو خفي من جوانب الرجولة الحقة، ولا يتردد المسئولون عن الأمر عن التضحية به والتخلية بينه وبين النزول إلى ميدان اللعب مهما كان تفوقه الرياضي والثقة التامة بانتصاره.
فلقد حدث يوما في جامعة أكسفورد أن كان أحد الطلاب مرشحا لتمثيل جامعته في لعبة الكركت، ولم يشك أحد منا في أن لهذا الطالب زميلا منافسا أو في احتمال استبداله بآخر لأمر ما؛ نظرا لما كان يمتاز به في هذه اللعبة امتيازا كبيرا، واتفق في أثناء مباراة تجريبية أقيمت قبل اللعب لانتخاب الفريق الذي يمثل الجامعة أن جاء صاحبنا متأخرا بعض الوقت عن بدء اللعب، فقد كان متعبا من جراء سهرة اضطرته إلى أن يطيل في النوم أكثر مما يجب، فما كان من رئيس الفرقة إلا أن نحاه عن اللعب واستبدل به آخر، وكان القانون الذي اعتمد عليه في هذا الحكم الجائر قوله في لهجة حادة: «إذا لم تكن تقدر المسئولية في اللعب التجريبي؛ فلا يمكن أن أعتمد عليك إذا ما كنت ممثلا للجامعة يوما ما.»
انظروا إلى ناحية أخرى في هذا الموضوع أيها السادة، وقعت لي في حلبة السلاح، فقد كنت ألاعب زميلا لي في الجامعة فأصبته إصابة لم يفطن إليها الحكم، فمر بها كريما، فاندهش صاحبي وهمهم في أثناء اللعب وقال: «ولكنك أصبتني»، قلت له: «إن الحكم لم يفطن لما أصبت»، واسترحنا وما كدنا نبدأ الدورة الثانية حتى فتح صدره غير مدافع فأصبته طبعا، فقال: «لقد أخذت حقك، هيا إذن نتم اللعب.»
أيها السادة
ما أشبه ميادين الحياة بميادين الألعاب كما قلت، بل إنها هي بعينها تلك الميادين الرياضية في صورة أوسع وأرجأ وأفسح، وما نحن الرجال في كل ما نضرب فيه ونتحايل وننشط في مناكب الأرض إلا أولئك الصبية أو التلاميذ وهم ينشطون ويتحايلون ويتواثبون في ميادين الألعاب، إن كل ما يعرض لنا في طرق هذه الحياة من شدة ويسر، وضيق وفرج، ونجاح وفشل، إنما عرض لنا يوما في صورة مصغرة في ميادين الألعاب، وإن كل ما أفدناه من تلك الميادين الرياضية من صفات وأخلاق إنما هو تراث معنوي مستقر في أعماق النفس يظهر أثره في الحوادث؛ فيمدنا بالرأي ويلهمنا الحكمة، ويبعث فينا الهمة ويضيء صدورنا بالأمل، ويملأنا ثقة بالمستقبل، ويدفعنا إلى طلب النصر من الطريق الشريف، وإلا فالفشل الشريف أحق وأولى.
قفوا أيها السادة عن كثب من حلقة الملاكمة في جامعة، وتمثلوا قصة هذين المتلاكمين التي أقصها عليكم، لقد كان أحدهما أكفأ من صاحبه، ولقد أثقل الأكفأ على زميله في الشوط الأول، ونال منه في الشوط الثاني، فأسر إلى مدربه بقوله إنه لا يستطيع المضي في مقاومة خصمه، فقال له مدربه: «تحمل واستمر»، وجاء الشوط الثالث، ولكن خصمه القوي لكمه لكمة أوقعته على الأرض يتوجع، فنظر إلى مدربه نظرة يرجو منه فيها أن يعفيه من مواصلة اللعب فحسبه ما ألم به، وهنا أهاب المدرب بصوت عال: «اصمد له واستمر»، فما كان منه إلا أن نهض مستجمعا كل ما له من قوة، ولكم خصمه لكمة خر من أثرها على الأرض واستسلم، وبذلك انتصر اللاعب الأقل كفاءة بفضل تلك المعجزة النفسية.
Bilinmeyen sayfa